هوية الكتاب 

اسم الكتاب : فضائل فاطمة الزهراء .

المؤلف : أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة 405

المحقق : علي بن عبد الله بن علي رضا .

الناشر والموزع : دار الفرقان ـ القاهرة ـ مصر .

الطبعة : الطبعة الاولى ، 1429 هـ \ 2008 م  .

عدد الأحاديث : 232 .

نوعية الأحاديث : الأحاديث كلها مسندة ، وبطرق المصنف .

النسخة : من مخطوطات مكتبة ملت كتابخانه في أنقره بتركيابرقم ( 950hk55) من الورقة 2020 ـ 182 .

تقدمــة   

في الحقيقة ان الزمن قد عودنا دوما على أن قسما غير قليل من الفكر الاخر لابد أن لايأخذ مساره ويشق طريقه بوضعه الطبيعي الى حيث مايبغي ويريد أن يستقر ، وانما لا بد عليه أن يبقى خانعا وخاضعا في مطامير الظلام وصدور الرجال ، والاول منهما من حقه أن يباد أو أن يحرق أو شيء اخر من هذا القبيل بحيث تكون النتيجة في النهاية لصالح القمع والحرمان والانتهاك

ومن حق الثاني منهما ( صدور الرجال ) في سبيل أن نأمن من عواقبه الوخيمة أن نضلل على الاخرين أيا كان الاخر الرؤية الصادقة ونعتم عليهم الواقعية ، ونزيد من خلق الضبابية ومن ثم يتراكم بتقادم الازمان والايام حاجب يمنع من رؤية على وجهها الحقيقي .

وبالفعل ، فان ما حدث في الساحة العامة الفكرية للمسلمين سواء أكان بالامس الغابر أو مانشهده اليوم كذلك ، هو أنك اذا أردت أن تقصي شخصا أو فكرا ، أوأي شيء من هذا القبيل ، فما عليك حينها الا أن تقدح وتجرح وتستفتز ، وتبعث على الاساءة والاثارة والجلبة من أجل اشاعة التسقيط على هذه الجهة أو تلك ، والناس ليس لهم الا ما سمعوا لا مارأوا ودروا . وتاريخنا يحفل بنماذج وفيرة في هذا الجانب لانرى حاجة الى سردها هنا .

 ورغما لكل تلك الظروف العاتية والقاسية ، شاءت الاقدار الالهية أن ينجو جزء حديثي مهم في بابه ولمؤلف فذ ومتخصص في فنه فتطالعنا اليوم المكتبة الاسلامية العامرة بكتاب فضائل فاطمة الزهراء للحاكم النيسابوري .

ولكن ماعساها الفرحة أن تعم وتدوم لنا ، وقد كان لها ما يعكر صفوها ويعبث برونقها وجمالها ، وهو أن صدر الكتاب من محقق عرف عنه التشدد والانتماء الى مدرسة السلف ( الوهابيين) وما أدراك بتلميذ أساتذته والمزكين له من أمثال الألباني وابن عثيمين وابن باز والمدخلي ! ويبقى الأهم من ذلك كله أن يسوق الله سبحانه وتعالى لنشر فضائل أهل البيت من لايؤمن بها ، وكفى بها نعمة ورحمة .

فكان واحدة من الاليات الجديدة التي اعتمدها المحققون الجدد من السلفيين ، هي أنهم يعمدون الى النص الذي يراد تحقيقه ، وخاصة اذا كان يدور في مدار الحديث ، فيقدمون الى الحكم على الاسانيد التي حواها الكتاب . وبالطبع أن تلك الاحكام التي يقدمونها يعوزها الكثير من الدقة والانصاف والعدل ، ليس فقط على صعيد الفضائل والمناقب ، وانما يسري ذلك على جوانب معرفية وتراثية واخرى يشوه صورتها بمثل تلك الاحكام .

هذا ، على أنه لم يكن من دأب المحدثين وأهل الفن والمختصين على طول مسار التاريخ أنهم يحكمون على الاسانيد مباشرة ، وهذه كتب الحديث بين أيدينا ماعرفنا منها أنها تتعاطى بهكذا لون من التعاطي مع التراث ، وانما الحكم له مجال ومكان اخر يكون فيه الفقيه أو المحدث في فسحة من أمره ، وحينما يحكم ويدرس هذا السند أو ذاك فكل ذلك يخضع لعملية متقنة ومقننة تسير وفق موازين رؤى واضحة ، فتأتي النتيجة قريبة من الصواب أو صائبة .

أما مانشهده اليوم من تشويه لصورة فن الحديث وتمزيق لمراميه مقاصده ، فهو أمر خارج عن غاية ذلك الفن ، وهمه الأول هو رسم صورة مشوهة عن بعض الاحاديث الخاصة .

وبالفعل هذا ماشهدناه من محقق الكتاب الذي نحن بصدد التعريف به ، فأنه راح يوزع الاحكام التقييمية لهذا الحديث أو ذلك بصورة عشوائية ومن دون الاحتكام الى قواعد فن الحديث ، فكانت القيمة المعطاة تفقد المصداقية ويعوزها الكثير من الانصاف .

مع السبب الداعي الى تأليف الكتاب   

بالطبع أن الكتب الذي بين أيدينا لم يؤلف بداعي ابتدائي من قبل المؤلف وانما كان من ورائه داع تسبب في تأليفه . ولابأس هنا أن نسوق مقدمة الكتاب اذ فيها يتضح مجمل الأمر الذي أدى بالحاكم الى تأليف هذا الكتاب .

ثم ان زماننا قد خلفنا في رعاة يتقرب الناس اليهم ببغض ال الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، والوضع عنهم ، فكل من يتوسل فتوسله بذكر الا بما قد نزههم الله عنه ، وانكار كل فضيلة تذكر من فضائلهم ، والله المستعان على ذلك ، والمسؤول أن يصلي على محمد النبي واله ، وأن يبدلنا بالخوارج خيرا منهم انه وليه والقادر عليه .

ومما حملني على تحرير هذه الرسالة أن حضرت مجلسا حضره أعيان الفقهاء والقضاة والامناء من المزكين وغيرهم ، وجرى بحضرتهم ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فانتدب له عين من أعيان الفقهاء فقال : كان علي لايحفظ القران! وهذا الشعبي قد نص عليه ، فقلت : أو غير هذا ؟ فان الصحابة الذين هم أعلم بذلك من الشعبي قد شهدو له بحفظ القران ، وهذا أبوعبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي سيد القراء من التابعين قرأ عليه ، وله عنه حرف مجرد ، وهو أحد الرواة عن عاصم بن بهدلة . قال : الشعبي أعرف به من غيره . فقلت : ان الشعبي لم يسمع منه ، انما راه رؤية ، ثم ظهر ميله الى أعدائه ، طمعا في الدنيا . فما زاده كل ماذكرته من ذلك الاتماديا في الباطل .

ثم جرى في المجلس ذكر بنات النبي صلى الله عليه واله : زينب ورقية ، وأم كلثوم ، فقال بعضهم : ان الرواة لينكرون أنهن بنات خديجة من رسول الله صلى الله عليه واله .

فقلت : هن بناتها منه ، الا أن ذكر فاطمة صلى الله عليه واله في الاخبار ، و فضائلها في الروايات أكثر .

فانتدب بعض من اختلف الي قديما ، وطالت ملازمته لي للتقرب بالنصب الى بعض الحاضرين بأن قال : هذا محمد بن اسماعيل

البخاري قد روى في الجامع الصحيح حديثا لعروة بن الزبير عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه واله قال : خير بناتي زينب .

فقلت : هذا الحديث في أي موضع من الجامع ذكره البخاري ؟

فقال : في كتاب الفضائل .

فقلت بحضرة الجماعة : الا تعلم أني جمعت هذا الكتاب أربع مرات ، صنفته أولا على الرجال من الصحابة ، ثم نقلت الرقاع ثم هذبته على الرجال ، ثم رتبته وأمليته عليك ، وكتبت باملائي ؟ قال : نعم .

قلت : فوالله ما مربي هذا الحديث في الكتاب قط .

فقال الصدر ـ المتقرب اليه بذلك ـ للذي ذكر هذا الخبر : جزاك الله عنا خيرا ، فالان ظهر لي وصح عندي أنك سني متعصب للسنة .

فقمت الى بيت الكتب ، وأخرجت كتاب الفضائل من الجامع ، فلم أجد فيه من فضائل النساء غير خديجة وفاطمة وعائشة رضي الله عنهن ، فحملت الكتاب الى المجلس ودفعته الى الذي ذكر الحديث.

فقلت : هذا الفضائل ، فاطلب فيه حديث أسامة ، فاني قد طلبته فلم أجده . فاخذ يتصفح مرة بعد اخرى ، ثم قال : لعله في غير الفضائل ، فاني لاأشك أنه في الكتاب .

فقلت : والله ماخرج البخاري هذا الحديث قط .

ثم أني بعد افتراقنا عن المجلس صليت صلاة المغرب ، وقعدت الى نصف الليل ، ثم أصبحت سحرا ، وقعدت الى وقت الاقامة وبعد انصرافي من المسجد قعدت الى وقت صلاة العصر ، حتى نظرت في الكتاب من أوله الى اخره نظرا شافيا فلم أجد فيه أثرا.

وقد كنت سألته : من كان روى عن عروة في اسناد هذا الحديث ؟

فقال : من حديث الزهري عن عروة .

فرجعت الى كتاب أبي علي الحافظ في الزهري عن عروة ، فلم أجد فيه ، فطلبته في مسند أسامة بن زيد للحسن بن سفيان ، فلم أجده فيه ، فجلست وأنا مفكر فيه ، فذكرت أني جمعت في الرقاع لكتاب الاكليل فضل زينب ، فعدوت أطلبه ، فوجدت فيه بخطي هذا الحديث من يحيى بن أيوب ، وسماعي : حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمد البلخي ببغداذ من أصل كتابه ، حدثنا أبواسماعيل بن محمد اسماعيل السلمي ، حدثنا سعيد بن مريم ، أنبأنا يحيى بن أيوب ، حدثنا ابن الهاد ، حدثني عمر بن عبد الله بن عروة ، عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه واله : أن رسول الله لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة ، فخرجوا في اثرها فادركها هبار بن الاسود ، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها ، وألقت مافي بطنها ، واهريقت دما ، فحملت ، فاشتجرفيها بنو هاشم وبنو امية ، فقالت بنوامية : نحن أحق بها وكانت تحت ابن عمهم ابن العاص ، فكانت عند هند بن ربيعة ، وكانت تقول لها هند : هذا في سبب أبيك .

فقال رسول الله صلى الله عليه واله لزيد بن حارثة : الا تنطلق فتجيء بزينب ؟ قال : بلى يارسول الله .

قال : خذ خاتمي فأعطه اياها .

فانطلق مرة وقال مرة ، فترك بعيره ، فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا فقال : لمن ترعى ؟ قال : لابن العاص .

قال : فلمن هذه الغنم ؟ قال : لزينب بنت محمد صلى الله عليه واله .

فسار معه شيئا ثم قال له : هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها اياه  ولاتذكره لأحد . قال : نعم .

فأعطاه الخاتم ، فانطلق الراعي ، فأدخل غنمه ، وأعطاها الخاتم فعرفته . فقالت : من أعطاك هذا ؟ قال : رجل .

قالت : وأين تركته ؟ قال : بمكان كذا وكذا .

قال : فسكنت ، حتى اذا كان الليل خرجت اليه ، فلما جاءته قال لها : اركبي ـ بين يديه على بعيره ـ .

قالت : لا ، ولكن اركب أنت بين يدي ، فركب وركبت وراءه حتى أتت ، فكان رسول الله صلى الله عليه واله يقول : هي أفضل بناتي ، أصيبت في .

فبلغ ذلك علي بن الحسين ، فانطلق الى عروة فقال : ماحديث بلغني عنك تحدث تنتقص فيه حق فاطمة ، وقال مرة : تنتقص فاطمة .

فقال عروة : والله اني لاأحب أن لي مابين المشرق والمغرب ، وأني أنتقص فاطمة حقا ، وأما بعد ذلك فلك أن لا أحدث به أبدا.

فلما وجدت هذا الحديث علمت أنه ليس من شرط الصحيح البخاري ولامسلم .

حتى يقول الحاكم معقبا على حديث أورده في المقدمة : وهذا الحديث يصرح بأن فاطمة كانت أعلم وأفقه من عائشة ، اذ لم تخبر بالسرفي حياة من أسر اليها ، ثم أخبرت بعد وفاته ، وهذا فقه هذا الحديث ، وقد خفي على عائشة ... وأنا ذاكر بمشيئة الله في هذا الموضع بعض ما انتهى الينا من فضائل فاطمة بنت سيد الانبياء صلوات الله عليهم ، ليعلم الشحيح  بدينه محلها من الاسلام ، فلايقيس بها أحدا من نساء هذه الامة .   

يتبع ...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جمعه ۲۶ تير ۱۳۸۸ ساعت ۲۳:۱۶