بطاقة تعريفيّة :


1ـ كتاب الأخبار الدخيلة ، للمحقق العلامة محمد تقي التستري ، تعليق : علي أكبر الغفاري.

2ـ الرسالة التي بين أيدينا ( النقد اللطيف ) هي بقلم الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني .

3ـ لم يتعرض الكاتب في هذه الرسالة لجميع الموارد التي قد تكون بحاجة إلى وقفة علمية ناقدة ، وإنما اقتصر على بعض الموارد التي رآها مناسبة .

4ـ علما ً اننا وقفنا على النص الماثل بين يديك عزيزي القارئ من خلال بعض مواقع الانترنت ، وحاولت جهدي في أن أقف على منابع مباشرة ومقربة حتى يطمئن الباحث والقارئ إليها أكثر لكن لم أتمكن من ذلك ، وخاصة من موقع الشيخ الكلبايكاني نفسه .

5ـ تبقى الرسالة التي نحن بصدد نشرها تمثّل قراءة حديثية مهمة رغم إنها لم تقف على كافة ما احتاج إلى نقد في الكتاب المشار إليه ؛ وذلك لأجل أن القائم على تأليفها أحد علمائنا المعروفين في هذه الفترة المعاصرة .
6ـ نحن نؤمن بأن حياة العلم والفكر كلها منوطة بتكامل المنظومة النقدية الهادفة والتي تسعى من وراء النقد لكشف التراكمات التي نسجت طوال التاريخ على الحقائق الكامنة وراءها .




( النقد اللطيف )


الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم محمد وآله الطاهرين سيّما مولانا بقية اللّه في الأرضين .

وبعد :

فقد نشر بعض من الأعلام المؤلفين المعاصرين أدام اللّه أيّامه وسدّد خطاه ، كتاباً أسماه (الأخبار الدخيلة) ذكر فيه الروايات التي فيها بزعمه خلل من تحريف أو وضع ، وقد ساعدني التوفيق عند ما كنت أجدّد النظر في الأخبار الواردة في مولانا الإمام المهدي أرواح العالمين له الفداء ، لمراجعة ما فيه حول بعض هذه الأحاديث الشريفة ، فرأيت أنه قد عدّ من الموضوعات ، طائفة ممّا رواه شيخنا الصدوق قدس سره في كتابه القيّم كمال الدين ، وشيخنا الطوسي أعلى اللّه درجته في كتابه الغيبة وغيرهما ، فوجدته مع إصراره على إثبات وضعها اعتمد على أدلة ضعيفة وشواهد واهية .

ثم رأيت أنّ هذه التشكيكات في الأحاديث ربما تعد عند البعض نوعاً من التنور والثقافة وتقع في نفوسهم العليلة ، فالمتنوّر وصاحب الثقافة عندهم مَن كان جريئاً على نقد الأحاديث وردّها أو تأويل الظواهر ، حتّى ظواهر الكتاب بما يقبله المتأثرون بآراء الماديين وغير المؤمنين بعالم الغيب وتأثيره في عالم المادة والشهادة . وهذا الباب ـ أي باب التشكيك في الأحاديث سنداً أو متنا ، سيما متونها البعيدة عن الأذهان المتعارفة ـ باب افتتن به كثير مِن الشباب ومن الكتّاب الذين يرون أنّ من الثقافة التشكيك في الأحاديث أو تأويل الظواهر الدالة على الخوارق ، إلاّ أنه لاريب أنّ التسرع في الحكم القطعيّ بالوضع والجعل على الأحاديث سيّما بشواهد عليلة لا يتوقع صدوره عن العلماء الحاذقين والعارفين بموازين في الردّ والحكم بالوضع والتحريف والجرح وغيرها ، ولو كان أحد مبالغاً في ذلك ويرى أنّه لابد منه فالإحتياط يقتضى أن يذكره بعنوان الإحتمال .
فلذلك رأيت أنّ الواجب إبداء ما في تشكيكات هذا المؤلف دام ظله حول هذه الأحاديث حتّى توجب سوء ظن بعض المغترين وبالتشكيكات بالمحدثين الأقدمين ، قدس اللّه أنفسهم الزكية .

وخلاصة كلامنا معه دام بقاه ، أنّ هذه الأحاديث التي ذُكرت في كتابه لو كان فيها بعض العلل على اصطلاحات بعض الرجاليين فإنّه يُجبر بما يجبر مثله أيضا ، على ما بنوا عليه من الاعتماد على الأحاديث .مضافاً الى أنّ كثيراً ممّا ذكره مِن العلل واضح الفساد لا يعتني به العارف بأحوال الأحاديث ، وما عرض لبعض الروايات بواسطة النقل بالمضمون أو وقوع الاضطراب في المتن لبعض الجهات لا يوجب ترك العمل والاعتناء به رأساً وعدم الاستناد إلى ما يكون فيه ، مصوناً من الاضطراب ، ولولا ذلك لكان باب التشكيك مفتوحاً حتّى لا يبقى معه مجال للاحتجاج على جلّ ما يحتج به العقلاء في الأمور النقلية التي لا طريق لإثباتها إلاّ النقل ، ولضاع بذلك أكثر العلوم النقلية الإسلاميّة وغيرها .
ولا أظنك ان تتوهم أنا ننكر ما هو المسلم عند الكل من وجود الأحاديث الموضوعة والمحرّفة ونريد الحكم بصحّة جميع ما في الكتب من الأحاديث ، بل غرضنا :

أولاً : توضيح أن هذه الأخبار ليست بهذه المرتبة من الضعف الذي اهتم لتبيينه هذا المؤلف ، لو لم نقل بعدم وجود الضعف في بعضها .

وثانياً : أن التهجم على مثل كتاب كمال الدين وغيبة الطوسي ، مع أنّ مؤلفيها من حذّاق فن الحديث وأكابر العارفين بالأحاديث وعللها ، والاكثار من ذكر العلل في رواياتها والقول بأن هذه الكتب خلط مؤلفوها الصحيح بالسقيم والغث بالسمين ، لا فائدة فيه غير زرع سوء ظن في نفوس بعض الجهال ، وذلك ممّا لا ينبغي أن يصدر من مثله سلمه اللّه نعم ، لو كان في بعض الأحاديث ما لا يوافق الأصول الأصلية الاعتقادية ، كان التعرض لعلله وإطالة الكلام فيها والاشتغال بها واجباً .
إذا عرفت ذلك ، فاعلم :

أن من جملة ما عدّه في الأحاديث الموضوعة في الفصل الأول من الباب الثاني من ذلك الكتاب ما رواه شيخنا الصدوق قدّس سرّه في كمال الدين ، عن محمد بن علي بن حاتم النوفليّ ، عن أحمد بن عيسى الوشاء ، عن أحمد بن طاهر القمّي ، عن محمّد بن بحر بن سهل الشيبانيّ ، عن أحمد بن مسرور ، عن سعد بن عبد اللّه القمي قال : كنت امرءاً لهجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقايقها ، كلفاً باستظهار ما يصح لي من حقايقها ، مغرماً بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحيحاً على ما أظفر به من معضلاتها ومشكلاتها ، متعصباً لمذهب الإمامية ، راغباً عن الأمن والسلامة ، في انتظار التنازع والتخاصم والتعدِّي إلى التباغض والتشاتم ، معيباً للفرق ذوي الخلاف ، كاشفاً عن مثالب أئمتهم ، هتّاكا لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلا ، وأشنعهم سؤالا وأثبتهم على الباطل قدماً .فقال ذات يوم ـ وأنا اُناظره : تَباً لك ولأصحابك يا سعد إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما ، وتجحدون من رسول اللّه ولايتهما وإمامتهما ، هذا الصدِّيق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أنَّ رسول اللّه ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علماً منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد لأمر التأويل والملقي إليه أزمة الأُمة ، وعليه المعول في شعب الصدع ، ولم الشعث ، وسد الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك ، وكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرِّ مساعدة إلى مكان يستخفى فيه ، ولما رأينا النبي متوجهاً إلى لإنجحار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول اللّه بأبي بكر للغار للعلة التي شرحناها ، وإنما أبات علياً على فراشه لما لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به لاستثقاله ، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.



(تحقيق في اعتبار عدالة الراوي في جواز الأخذ بخبره )


إن قلت : لعل الصدوق وغيره من المحدثين رضوان اللّه عليهم أخذوا بأصالة العدالة في رواياتهم عن المجاهيل وغير الموصوفين بالعدالة والصدق في كتب الرجال ، ومع أنه لا طريق لنا إلى معرفة حالهم وإحراز عدالتهم وصدقهم لعدم ذكر منهم في تلك الكتب أو عدم ذكر جرح ولا تعديل لهم فيها ، فكيف نعتمد على تلك الروايات ؟

قلت : إن أريد بالأخذ بأصالة العدالة أن الشرط في جواز الإعتماد على الخبر وإن كان عندهم عدالة المُخبر وصدقه إلا أنهم كانوا يعتمدون في ذلك على البناء على الإيمان وعدالة من لم يثبت فساد عقيدته وصدور الفسق والكذب منه من دون أن يعرفوه بحسن الظاهر ، فاستناده إليهم في غاية البعد ، بل معلوم العدم ، لعدم وجود أصل تعبدي لهذا الأصل .

أمّا الأصل التعبدي الشرعي فليس في البين إلا الإستصحاب وفساد الإبتناء عليه أوضح من أن يخفى ، لعدم حالة العدالة السابقة المتيقنة لمن لم يثبت فسقه وعدالته حتى تستصحب تلك الحالة.

وأما الأصل التعبدي العقلائي أي استقرار بناء العقلاء على قبول كل خبر ما لم يثبت جرح مخبره بالكفر وفساد العقيدة أو إرتكاب الكبيرة والفسق فهذا أيضاً محل الإنكار ، مضافاً إلى رجوعه إلى عدم اعتبار شرط العدالة وإلغائه في جواز الأخذ بالخبر .
وإن اُريد بأصالة العدالة ، الاعتماد على حسن الظاهر على أنه العدالة أو على أنه طريق إليها بناء على كونها ملكة نفسانية وحالة روحية يشق بها على صاحبها ارتكاب المعصية ، فان اتفق صدورها منه يندم عليها ويتداركها بالتوبة ويلوم نفسه بها ، وأن عليها يحكم بعدالة من كان له ظاهر حسن لا يتجاهر بما يخالف الشرع ويرتب عليه آثار العدالة فإجراء هذا الأصل بالنسبة إلى المجاهيل وغير الموصوفين بحسن الظاهر واضح الفساد .

نعم ، يمكن أن يقال إن المحدثين القدماء مثل الصدوق والكليني وغيرهما رضوان اللّه تعالى عليهم لم يأخذوا الأحاديث التي أخرجوها في كتبهم من المناكير وأبناء السبيل والقاعدين على الطرق والشوارع والقصاص وأمثالهم ، فمثل الصدوق عادة يعرف شيوخه بأسمائهم وأنسابهم وحالاتهم من الإيمان والعدالة والفسق ولا يروي عمن لا يعرفه بشخصه واسمه ونسبه وصفاته أصلا ولا يكتفي بتعريفه نفسه ، فلا يكتب عنه إلا بعد معرفته بظاهر حاله وبمذهبه ونحلته وأن له شأناً في الحديث وبعد ذلك ، اعتماده على الشيخ الذي يروى مثل هذا الحديث في محله ، ويستبعد جداً أن يروى هذا الحديث ، ولو كانوا من غير الشيعة أو من المقدوحين لصرّح بهم.


( احتمال آخر ):

من المحتمل أن يكون بناء القدماء على الأخذ بأصالة الصدق والعدالة ، مبنياً على أصالة البراءة ، وإعتماد العقلاء بخبر الواحد وبنائهم على العمل به ما لم يصدر منه ما يوجب الفسق ، والمراد من الأصل المعول عليه هنا أصل العدم واستصحاب العدم ، فيستصحب عدم صدور الكبيرة منه ويبني على عدم صدورها منه مادام لم يحرز ذلك بالوجدان أو التعبد ، ولا بأس بذلك ، فلا حاجة إلى إثبات العدالة سواء كانت عبارة عن الملكة أو حسن الظاهر. وبعبارة اُخرى :

نقول : لما كان اعتبار العدالة وإحرازها في جواز الأخذ بأخبار المخبرين موجب لتعطيل الأمور وتضييع كثير من المصالح لقلة من يحرز عدالته ، استقر بناء العقلاء على العمل بخبر الواحد الذي لم يحرز صدور ما يوجب الفسق منه وما يوهن الإعتماد عليه ، ولم يكن في البين قرينة حالية تدل على رفع اليدعن نبائه ، وآية النبأ إنما تدل على وجوب التبين في خبر الفاسق أي الذي جاوز الحد وصدرت منه الكبيرة دون من لم تصدر منه الكبيرة وأحرز ذلك بالوجدان أو بالأصل وهذا الاحتمال قوي جدا ، لأنا نرى أن العقلاء لايزالون يعملون بخبر غير المتهم بالكذب والفسق ، وانما يردون من الخبر ويضعفون الإسناد ، إذا كان المخبر فاسقاً ثبت صدور الفسق منه ، أو بعلل أخرى لا ترجع إلى عدم إثبات عدالة الراوى.

إن قلت :

فهل يعمل على خبر المجهول وهل يجوز الاعتماد عليه ؟

قلت : الجهل بحال الراوي إما يكون مطلقاً يشمل الجهل بإيمانه وبعدالته وفسقه ، وإما يكون مقصوراً بفسقه وعدالته مع العلم بإيمانه .

ولا كلام في أنه لا يجوز العمل على القسم الأول ولا يحتجّ به .

وأما القسم الثاني فيجوز مع الجهل أي الشك في فسقه وعدالته البناء على عدم فسقه لعدم ثبوت صدور معصية منه والأخذ بخبره إذا لم يكن معارضاً بما يخرجه عن استقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الواحد ، فما يخرج الخبر عن صلاحية الإعتماد عليه هو الجرح ومع عدمه لا حاجة إلى تعديل راويه .

إن قلت :

إذن كيف يصح الاعتماد على خبر المخالف أو غير الإثنى عشرية من الشيعة مع أنهم قد جوزوا العمل بأخبار الثقات الممدوحين بالصدق والأمانة كائناً مذهبه ما كان .

قلت : أما رواياتهم المؤيدة لمذهب أهل الحق المأثورة في أصول الدين ورواياتهم في فضائل أهل البيت وما اتفقت عليه كلمة أصحابهم وشيعتهم فاعتمادهم عليها إما للاحتجاج عليهم والجدال معهم بالتي هي أحسن ، وإما لحصول الوثوق بصحتها لعدم الداعي غالباً لهم في وضع هذه الأخبار ، فالإحتجاج بها أحسن والإعتماد عليها أفحم للخصم ، وأما رواياتهم في الفروع والتكاليف العملية فالإعتماد عليها يدور مدار كون الراوي موثقاً في جميع الطبقات يوجب نقله الإطمينان بصدوره ولم يكن معارضاً لغيره من الأخبار ومع التعارض يعمل على طبق قواعد التعادل والترجيح كما بين في محله في الأصول .
وقد أورد على الحديث ثانياً أيضاً بما يرجع إلى سنده ، فقال : (لو كان الصدوق حكم بصحته لِمَ لم يروه في فقيهه ما تضمنه من الفقه ، ولم لم يرو في معانيه ما تضمنه من معاني الحروف ؟



( حديث آخر ) :


ومن الأحاديث التي ذكرها في عداد الأحاديث الموضوعة في الفصل الأول من الباب الثاني من كتابه) ص 121) أحاديث محمد بن زيد بن مروان ، قال : ومنها أحاديث محمد بن زيد بن مروان ، أحد مشايخ الزيدية على ما نقل الشيخ في غيبته (في باب توقيعاته عليه السلام) عن أبي غالب ، عنه وهي ثلاثة :

الأوّل : عنه ، عن أبي عيسى محمد بن علي الجعفري وأبي الحسين محمد بن رقام عن أبي سورة (أحد مشايخ الزيدية) ، قال :خرجت إلى قبر أبي عبد الله عليه السلام ، اريد يوم عرفة ، فعرَّفت يوم عرفة ، فلما كان وقت عشاء الآخرة صليت وقمت فابتدأت أقرأ من الحمد وإذا شاب حسن الوجه عليه جبة سيفي فابتدأ أيضاً من الحمد وختم قبلي أو ختمت قبله ، فلما كان الغداة خرجنا جميعاً من باب الحائر ، فلما صرنا على شاطىء الفرات قال لي الشاب : أنت تريد الكوفة فامض ، فمضيت طريق الفرات ، وأخذ الشاب طريق البر ، ثم أسفت على فراقه فأتبعته فقال لي : تعالى فجئنا جميعاً إلى حصن المسناة ، فنمنا جميعاً وانتبهنا فإذا نحن على العوفي على جبل الخندق ، فقال لي : أنت مضيق وعليك عيال فامض إلى أبي طاهر الزراري فسيخرج إليك من منزله ، وفي يده الدم من الاُضحية فقل له : شاب من صفته كذا يقول لك : صرَّة فيها عشرون ديناراً جاءك بها بعض إخوانك فخذها منه . فصرت إلى أبي طاهر كما قال الشاب ووصفته له فقال : الحمد لله ورأيته فدخل وأخرج إلي صرَّة الدنانير فدفعها إلي وانصرفت .

الثاني عنه : قال : حدَّث بحديثه المتقدم أبا الحسين محمد بن عبيد الله العلوي ونحن نزول بأرض الهر فقال :هذا حق جاءني رجل شاب فتوسّمت في وجهه سمة ، فصرفت الناس كلهم ، وقلت له : من أنت فقال : أنا رسول الخلف إلى بعض إخوانه ببغداد ، فقلت له : معك راحلة ، فقال : نعم في دار الطلحيين ، فقلت له : قم فجئني بها ووجهت معه غلاماً فأحضر راحلته وأقام عندي يومه ذلك وأكل من طعامي وحدثني بكثير من سري وضميري ، فقلت له : على أي طريق تأخذ ؟ قال : أنزل إلى هذه النجفة ، ثمَّ آتى وادي الرملة ، ثم آتى الفسطاط فأركب إلى الخلف إلى المغرب ، فلما كان من الغد ، ركب راحتله وركبت معه حتى صرنا إلى دار صالح فعبر الخندق وحده وأنا أراه حتى نزل النجف وغاب عن عيني .

الثالث عنه : قال : حدث أبا بكر محمد بن أبي دارم اليمامي (أحد مشائخ الحشوية) بحديثيه المتقدمين فقال :هذا حق جاءني منذ سنيات ابن اخت أبي بكر بن البجالي العطار ـ وهو صوفي يصحب الصوفية ـ فقلت : من أنت وأين كنت ؟ فقال : أنا مسافر منذ سبع عشرة سنة فقلت له : فأى شي أعجب ما رأيت ؟ فقال : نزلت بالإسكندرية في خان ينزله الغرباء ، وكان في وسط الخان مسجد يصلي فيه أهل الخان وله إمام وكان شاب يخرج من بيت له غرفة فيصلي خلف الإمام ويرجع من وقته إلى بيته ، ولا يلبث مع الجماعة فقلت ـ لما طال ذلك علي ورأيت منظره شاب نظيف عليه عباء : أنا والله اُحب خدمتك والتشرف بين يديك ، فقال : شأنك ، فلم أزل أخدمه حتى أنس بي الاُنس التام ، فقلت له ذات يوم : من أنت أعزك الله ؟ قال : أنا صاحب الحق ، فقلت له : يا سيدي متى تظهر ؟ فقال : ليس هذا أوان ظهوري وقد بقي مدة من الزمان فلم أزل على خدمته تلك وهو على حالته من صلاة الجماعة وترك الخوض في ما لايعنيه إلى أن قال : أحتاج إلى السفر ، فقلت له : أنا معك ، ثم قلت له : يا سيدي متى يظهر أمرك ؟ قال : علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن ، وآتي مكة فأكون في المسجد الحرام ، فيقال : إنصبوا لنا إماماً ويكثر الكلام حتى يقوم رجل من الناس فينظر في وجهي ، ثم قال :يا معشر الناس هذا المهدي انظروا إليه ، فيأخذون بيدي ، وينصبوني بين الركن والمقام ، فيبايع الناس عند إياسهم عنى . وسرنا إلى البحر فعزم على ركوب البحر ، فقلت له : يا سيدي أنا أفرق من البحر ، قال : ويحك تخاف وأنا معك ؟ فقلت : لا ولكن أجبن ، فركب البحر وانصرفت عنه .
ثم إنه استشهد لوضعها مضافاً إلى كون رواتها من الحشوية والزيدية أنه عليه السلام لا يحضر عند خواص شيعته معرفاً بنفسه فكيف مدة عند مخالفيه مع التعريف وكيف يصلي خلف أئمة العامة من يصلي خلفه عيسى بن مريم . . . الخ .
أقول : إن الحديث الثالث لاشتماله على أنه يصلي خلف غيره ويأتم به ساقط عن الإعتبار فلا يحتج به ، ولا ينبغي نقله إلا لمقصد إثبات إجماع الكل على ظهور المهدي ووجوده عليه السلام ، وإن كنا بحمد الله تعالى بفضل سائر الأحاديث وأقوال من يعتد بقوله من الأمة غني عن مثله . وأما الخبر الأول فليس فيه ما يدل صريحاً على أن الشاب المذكور فيه هو مولانا المهدي عليه السلام وإنما يذكر اطراداً وأن هذا الشاب لا يكون إلا المهدي عليه السلام أو من خواصه وحاشيته الذين يقومون بأوامر وإنفاذ أحكامه ، والحكم بوضعه وجعله لا يصدر إلا ممن يعلم الغيوب .

وأما الثاني : ففيه ما يدل على ذلك وليس فيه أيضاً ما يدل على وضعه والإستدلال بما يرويه المخالفين من الزيدية والعامة قوى جداً لم أر في العلماء وفي الطائفة من تكلف إثبات ضعفه ، بل بناؤهم على الإستدلال بروايات المخالفين فيما هم مخالفون لنا في الفضائل والمناقب والإمامة فيستدلون لإثبات أحاديث الثقلين وأحاديث الولاية وغديرخم والأئمة الإثني عشر عليهم السلام وغيرها بأحاديثهم ولم يقل أحد إن أسانيدهم في ذلك ضعيفة ساقطة عن الإعتبار بل عندهم أنها في غاية الإعتبار وإن كان الراوي ناصبياً أو خارجياً نعم إذا وجد فيه ما لايناسب مقام الأئمة عليهم السلام الرفيع ويخالف المذهب يرد ذلك إليهم برد تمام الخبر أو خصوص ما فيه من المخالفة حسب ما يقتضيه المقامات والموارد ويعتمدون في ذلك كله على الأصول العقلائية المقبولة .



( حديث آخر ):


من الأحاديث التي عدها من الأحاديث الموضوعة ، قال :ومنها ما رواه الغيبة (في أول فصل ما روي من الأخبار المتضمنة لمن رآه) عن جماعة ، عن التلعكبري ، عن أحمد بن علي الرازي قال : حدثني شيخ ورد الري على أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي فروى له حديثين في صاحب الزمان عليه السلام ، وسمعتهما منه كما سمع وأظن ذلك قبل سنة ثلاثمائة أو قريباً منها . قال : حدثني علي ابن إبراهيم الفدكي ، قال : قال الآودي : بينا أنا في الطواف قد طفت ستة واُريد أن أطوف السابعة فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه طيب الرائحة هيوب ومع هيبته متقرب إلى الناس ، فتكلم فلم أر أحسن من كلامه ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه ، فذهبت اكلمه فزبرني الناس فسألت بعضهم من هذا ؟ فقال : ابن رسول الله يظهر للناس في كل سنة يوما لخواصه فيحدثهم ويحدثونه فقلت : مسترشد أتاك فأرشدني هداك الله ، قال : فناولني حصاة فحولت وجهي فقال لي بعض جلسائه : ما الذي دفع إليك ابن رسول الله ؟ فقلت : حصاة ، فكشفت عن يدي فإذا أنا بسبيكة من ذهب وإذا أنا به قد لحقني ، فقال : ثبتت عليك الحجة ، وظهر لك الحق ، وذهب عنك العمى ، أتعرفني ؟ فقلت : اللهم لا ، فقال المهدي : انا قائم الزمان ، أنا الذي أملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً إن الأرض لا تخلو من حجة ولا يبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل وقد ظهر أيام خروجي فهذه أمانة في رقبتك فحدث بها إخوانك من أهل الحق
.وبالإسناد عن أحمد بن علي الرازي قال : حدثني محمد بن علي ، عن محمد ابن أحمد بن خلف قال : نزلنا مسجداً في المنزل المعروف بالعباسية على مرحلتين من فسطاط مصر ، وتفرق غلماني في النزول وبقي معي في المسجد غلام أعجمي فرأيت في زاويته شيخاً كثير التسبيح ، فلما زالت الشمس ركعت وصليت الظهر في أول وقتها ودعوت بالطعام ، وسألت الشيخ أن يأكل معي فأجابني فلما طعمنا سألت عن اسمه واسم أبيه وعن بلده وحرفته ومقصده ، فذكر أن اسمه (محمد بن عبد الله) وان من أهل قم وذكر أنه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحق وينتقل في البلدان والسواحل وأنه أوطن مكة والمدينة نحو عشرين سنة يبحث عن الأخبار ويتتبع الآثار ، فلما كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت ثم صار إلى مقام إبراهيم عليه السلام فركع فيه وغلبته عينه فأنبهه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله ، قال : فتأملت الداعي فإذا هو شاب أسمر لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته . ثم صلى فخرج وسعى فأتبعته وأوقع الله تعالى في نفسي أنه صاحب الزمان عليه السلام فلما فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب فقصدت أثره ، فلما قربت منه إذا أنا بأسود مثل الفنيق قد اعترضني فصاح بي بصوت لم أسمع أهول منه : ما تريد عافاك الله فأرعدت ووقفت ، وزال الشخص عن بصري وبقيت متحيرا ، فلما طال بي الوقوف والحيرة انصرفت ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي بزجرة الأسود ، فخلوت بربي عزوجل أدعوه وأسأله بحق رسوله وآله عليهم السلام ألا يخيب سعيي وأن يظهر لي ما يثبت به قلبي ويزيد في بصري ، فلما كان بعد سنين زرت قبر المصطفى صلى الله عليه وآله فبينا أنا أصلي في الروضة التي بين القبر والمنبر إذ غلبتني عيني فإذا محرك يحركني فأستيقظت فإذا أنا بالأسود فقال : وما خبرك ؟ وكيف كنت ؟ فقلت : الحمد لله واذمك ، فقال : لا تفعل فإني أمرت بما خاطبتك به ، وقد أدركت خيراً كثيراً فطب نفساً وازدد من الشكر لله عزوجل على ما أدركت وعاينت ، ما فعل فلان ؟ ـ وسمى بعض إخواني المستبصرين ـ فقلت : ببرقة ، فقال : صدقت ، ففلان ؟ ـ وسمى رفيقاً لي مجتهداً في العبادة مستبصراً في الديانة ـ فقلت : بالإسكندرية . حتى سمى لي عدة من إخواني ، ثم ذكر اسماً غريباً فقال : ما فعل نقفور ؟ قلت : لا أعرفه ، قال : كيف تعرفه وهو رومي فيهديه الله فيخرج ناصراً من قسطنطنية ، ثم سألني عن رجل آخر فقلت : لا أعرفه ، فقال : هذا رجل من أهل هيت من أنصار مولاي عليه السلام امض إلى أصحابك فقل لهم : نرجو أن يكون قد أذن الله في الإنتصار للمستضعفين وفي الإنتقام من الظالمين .ولقد لقيت جماعة من أصحابي وأديت إليهم وأبلغتهم ما حملت وأنا منصرف وأشير عليك أن لا تتلبس بما يثقل به ظهرك ويتعب به جسمك ، وأن تحبس نفسك على طاعة ربك فإن الأمر قريب إن شاء الله تعالى .فأمرت خازني فأحضرني خمسين ديناراً وسألته قبولها فقال : ياأخي قد حرم الله علي أن آخذ منك ما أنا مستغن عنه كما أحل لي أن آخذ منك الشيء إذا احتجت إليه فقلت له : هل سمع منك هذا الكلام أحد غيري من أصحاب السلطان ؟ فقال : نعم أحمد بن الحسين الهمداني المدفوع عن نعمته بآذربيجان وقد استأذن للحج تاميلا أن يلقي من لقيت ـ فحج أحمد بن الحسين الهمداني (ره) في تلك السنة فقتله ذكرويه ابن مهرويه ، وافترقنا وانصرفت إلى الثغر ، ثم حججت فلقيت بالمدينة رجلاً اسمه طاهر من ولد الحسين الأصغر يقال : إنه يعلم من هذا الأمر شيئاً فثابرت عليه حتى أنس بي وسكن إلي ووقف على صحته عقدي ، فقلت له : يا ابن رسول الله بحق آبائك الطاهرين عليهم السلام لما جعلتني مثلك في العلم بهذا الأمر فقد شهد عندي من توثقه بقصد القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب إياي لمذهبي واعتقادي وإنه أغرى بدمي مراراً فسلمني الله . فقال : يا أخي اكتم ما تسمع مني الخبر في هذه الجبال ، وإنما يرى العجائب الذين يحملون الزاد في الليل ويقصدون به مواضع يعرفونها وقد نهينا عن الفحص والتفتيش فودعته وانصرفت عنه .

ثم قال : أقول : ويوضح جعلهما اشتمالهما على إخباره عليه السلام بقرب زمان ظهوره من ألف ومائة سنة تقريباً قيل وهو أمر واضح البطلان بالعيان وقد تواتر أنه قال :كذب الوقّاتون).

وفيه :

أولاً : إن الإعتماد في الخبر الأول على ما رواه الصدوق وليس في ذيله ما يدل على قرب زمان الظهور وهذا لفظه بعينه (ولا يبقى الناس في فترة وهذه أمانة لا تحدث بها إلا إخوانك من أهل الحق) .

وأما الخبر الثاني فليس فيه ما يوهم ذلك إلا قوله (نرجو أن يكون قد أذن الله في الإنتصار للمستضعفين وفي الإنتقام من الظالمين) وهذه العبارة كما ترى لا تدل على قرب زمان الظهور بحيث ينافي تأخره إلى زماننا هذا وبعده ، نعم كأنه قد فهم الراوي ذلك منها فقال : (ولقد لقيت جماعة . . . الخ) إلا أن المعيار على ما يستفاد من لفظ الحديث لا على فهم الراوي .
وثانيا : قرب زمان وقوع كل أمر واقترابه يكون بحسبه ، فقد قرب زمان وقوع الساعة وحساب الناس واقترب بالنسبة إلى ما مضى من الدنيا . قال الله تعالى : (اقترب للناس حسابهم) وقال سبحانه (اقتربت الساعة) وقال عزوجل (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها) والظهور الإمام الذي أولت بعض آيات الساعة به وعبر عنه بالساعة أيضاً مثل ذلك يجوز أن يقال فيه مع ما ورد في الأخبار من طول الأمد وأن له غيبتين إحديهما تطول حتى يقول بعضهم مات و . . و . . أنه قد قرب واقترب .

وثالثا : الظاهر من قوله (كذب الوقاتون) تكذيب الذين يوقّتون وقت الظهور ويعيّنون له وقتاً خاصاً كالشهر الفلاني السنة الفلانية أو السنة المعينة أو بين سنوات معينة.



( حديث آخر ) :


ومما عده من الأحاديث الموضوعة ما صرح به بقوله :ومنها ما نقله النوري (في كتابه كشف الأستار) بعد عده عدة من العامة قائلين بالمهدي عليه السلام كالخاصة .فقال : السابع الشيخ حسن العراقي ـ قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في الطبقات الكبري (المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار) في الجزء الثاني من النسخة المطبوعة بمصر في سنة ألف وثلاثمائة وخمسين : (ومنهم الشيخ العارف بالله سيدي حسن العراقي المدفون بالكوم خارج باب الشعرية بالقرب من بركة الرطلي وجامع البشري .قال : كان قد عمره نحو مائة وثلاثين سنة ، قال : ترددت إليه مع سيدي أبي العباس الحريثي وقال : اريد أن أحكي لك حكايتي من مبتدء أمري إلى وقتي هذا كأنك كنت رفيقي من الصغر ، فقلت له : نعم ، فقال : كنت شاباً من دمشق وكنت صائغا ، وكنا نجتمع يوماً في الجمعة على اللهو واللعب والخمر فجاء لي التنبيه منه تعالى يوماً فقلت : لنفسي : ألهذا خُلقت ، فتركت ما هم فيه وهربت منهم فتبعوا ورائي فلم يدركوني فدخلت جامع بني اُمية فوجدت شخصاً يتكلم على الكرسي في شأن المهديِّ عليه السلام فاشتقت إلى لقائه فصرت لا أسجد سجدة إلا وسألت الله تعالى أن يجمعني عليه ، فبينا أنا ليلة بعد صلاة المغرب أصلي صلاة السنة إذا بشخص جلس خلفي وحسَّ على كتفي وقال لي : قد استجاب الله دعاءك يا ولدي مالك أنا المهدي فقلت : تذهب معي إلى الدار ؟ فقال : نعم ، وذهب معي وقال لي : أخل لي مكاناً أنفرد فيه ، فأخليت له مكاناً فأقام عندي سبعة أيام بلياليها ولقنني الذكر ، وقال : اعلمك وردي تدوم عليه إن شاء الله تعالى تصوم يوماً وتفطر يوما ، وتصلي في كل ليلة خمسمائة ركعة ، وكنت شاباً أمرد حسن الصورة فكان يقول : لا تجلس قط إلا ورائي ، فكنت أفعل ، وكانت عمامته كعمامة العجم وعليه جبة من وبر الجمال ، فلما انقضت السبعة أيام خرج فودَّعته ، وقال لي : يا حسن ما وقع لي قط مع أحد ما وقع معك فدم على وردك حتى تعجز فإنك ستعمر عمراً طويلا ، قال : ثم طلب الخروج ، وقال لي : يا حسن لا تجتمع بأحد بعدي ويكفيك ما حصل لك مني فما ثم إلا دون ما وصل إليك مني فلا تتحمل منة أحد بلا فائدة فقلت : سمعاً وطاعة ـ الخ

ثم قال : أقول : وآثار الوضع عليه لائحة فإنه من أكاذيب الصوفية ، ومما يختلفون لهم ولمشائخهم ، والعجب من هذا المحدث كيف ينقل مثل هذا الحديث وإني لأستحيي من النظر في مثله .

وأنا أقول : هل تعلم أن المحدث النوري كتب كشف الأستار جواباً عن قصيدة وردت من بغداد من قبل أبناء العامة مطلعها (أيا علماء العصر (وقد ذكرت فيها الإيرادات والسؤالات حول المهدي عليه السلام إنكاراً لوجوده عليه السلام وتسفيهاً لمن يعتقد به فقام النوري للدفاع عن الحق والذب عن المذهب وأتى بهذا الجواب الشافي الكافي من كتب العامة وكلمات مشايخهم وأكابرهم وجادلهم بالتي هي أحسن ، ثم نقلها إلى النظم الجيد البليغ العلامة الكبير والمصلح الشهير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وأجابه أيضاً على هذا المنوال نظماً الشيخ جعفر النقدي والسيد محسن الأمين وشرح الأخير قصيدته بالنثر أسماه )البرهان . . .) وغيرهم ، ففي هذا المجال ذكر أسماء عدة من القائلين بوجوده من العامة منهم الشيخ حسن العراقي وهو ليس ملتزماً بصحة ما ينقل منهم ولا يلزم عليه من الإستدلال بأقوالهم وعباراتهم أن يكون معتقدا بتفاصيل جاءت فيها ، وقصة الشيخ حسن التي وقعت مورد إنكاره ، مقبولة عند الصوفية العامة وليس التصوف عندهم كما هو عند الشيعة ، فانه عندنا مذموم لا يجوز الالتزام والتعبد بتعاليمهم الخاصة مما لم يؤثر من الشرع ولا يدل عليه الكتاب أو السنة وأكثرها مختلقات وموضوعات مشتملة على العقايد الباطلة والأعمال المحرمة بل والشرك ، وأما عند العامة مع تضمن ما عندهم من التصوف بهذه المفاسد بالوضوح ممدوح وأكثر علمائهم منخرطون في سلسلة من سلاسل التصوف التي لا حقيقة لها وما أنزل الله بها من سلطان ، وشأن مثل محيى الدين والشعراني وأمثالهما أجل عند المتصوفة منهم من الشافعي وأبي حنيفة ومالك وابن حنبل وأصحاب الحديث ، ولكن ذلك كله لا يمنع من الإستدلال بأقوالهم رداً عليهم وإفحاماً للمنكرين وبهذا الإعتبار ليس كتاب كشف الأستار من كتب الحديث ولم يذكر مصنفه مثل هذه الحكاية باعتبار أنها حديث من الأحاديث ، فذكرها في الأحاديث التي تبحث فيها عن سندها واعتبارها ، في غير محله إلا أن يراد بذلك تكثير ما أسماه بالأحاديث الموضوعة ، وإظهار العجب من المحدث النوري والإستحياء من النظر في مثل نقله مع أن الإستحياء من هذا العجب والإستحياء أولى من استحيائه .
ومما ذكر يظهر الجواب عما نقله المحدث النوري أيضاً عن ينابيع المودة من بيعة بعض مشايخ مصر مع الإمام المهدي عليه السلام .


( خبر الجزيرة الخضراء ومدائن أبناء المهدي عليه السلام ):


ومما عده من الأحاديث الموضوعة خبر قصة الجزيرة الخضراء وخبر مدائن أبناء المهدي عليه السلام قال : (نقل الأول المجلسي (ره) بدون إسناد متصل بل قال : وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض ولم يذكر صاحب الرسالة وقد أقر بعدم كونه في كتاب معتبر فقال : وإنما أفردت لها باباً لأني لم أظفر به في الأصول المعتبرة وقال : وجدت في خزانة أمير المؤمنين عليه السلام بخط الشيخ الفاضل الفضل بن يحيى بن علي الطيبي ما هذا صورته (الحمد لله رب العالمين . . . وذكر تمام الحكاية الى قوله : أدام الله إفضاله . ثم قال : ونقل الثاني النوري في كتابه جنة المأوى في الإستدراك لباب (من رأى الحجة عليه السلام) من البحار في حكايته الثالثة فقال : وفي آخر كتاب في التعازي عن آل محمد ووفاة النبي صلى الله عليه وآله تأليف الشريف الزاهد أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الحسيني - رضي الله عنه - عن الأجل العالم الحافظ . . . فذكر تمام سند الحديث ومتنه ثم قال بعده : قال النوري : وروي هذه الحكاية مختصراً الشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي في الفصل الخامس عشر من الباب الحادي عشر من كتاب الصراط المستقيم وهو أحسن كتاب صنف في الإمامة عن كمال الدين الأنباري . . . الخ ـ وهو صاحب رسالة (الباب المفتوح إلى ما قيل في النفس والروح) التي نقلها المجلسي بتمامها في السماء والعالم . قال : وقال السيد الأجل علي بن طاوس . . . الخ وبعد كلام المحدث النوري قال : أقول : وجه وضع الأول بالخصوص اشتماله على أن حسّان بن ثابت من القراء في موضعين مع أنه إنما كان شاعراً وإنما كان أخوه زيد بن ثابت من القراء مع أن باقي من عده لم يكن جميعهم من القراء وإنما القاري منهم ابن مسعود وأبى ، ثم جمع أبي سعيد الخدري مع أبي عبيدة وأضرابه بلا وجه ، حيث إن أبا سعيد كان إمامياً وباقي من ذكر من معاندي أمير المؤمنين عليه السلام .

أقول : ليس في الحكاية ما يدل على أن الذين اجتمعوا إليه كانوا من القراء واجتمعوا إليه لأنهم كانوا كذلك بل يدل على أن المجتمعين الذين سمى بعضهم وترك آخرون كانوا من الصحابة ، كما إن ذكر أبي عبيدة وأبي سعيد واجتماعها وجماعات المسلمين لم يكن إلا لأنهم كانوا معدودين من المسلمين وأدركوا عصر الرسالة وسمعوا القرآن الكريم منه بلا واسطة أحد او بواسطة غيرهم في هذا العصر ولا يدل على أزيد من ذلك ، فما ذكر لا يكون وجهاً للوضع أصلاً .

ولا يخفى أن حسّان بن ثابت لم يكن أخاً لزيد بن ثابت وإنما اشتبه على صاحبنا وهو مؤلف قاموس الرجال وموردُ الطعون على بعض علماء الرجال ذلك ، لاشتراك والديهما في الاسم ، فزيد هو ابن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غتم بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ثم النجاري وحسّان هو ابن ثابت بن المنذر بن خرام بن عمرو بن زيد مناه بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري .قال : واشتماله على أنه لم ير لعلماء الأمامية عندهم ذكراً سوى خمسة : الكليني وابن بابويه والمرتضى والطوسي والمحقق فبعد فتح باب العلم بحضور النائب الخاص بأمر صدر عنه عليه السلام عندهم وأنه يزور قبته عليه السلام في كل جمعة ويجد ورقة مكتوباً فيها جميع ما يحتاج إليه في المحاكمة وكون أبيه سمع حديثه وجده رأى شخصه أي حاجة كانت لهم إلى هؤلاء الخمسة الذين كان العلم عليهم منسداً مع أن لكل منهم فتاوى غير فتاوى الآخرين مع أن لكل واحد من الكليني وابن بابويه والمرتضى والطوسي والمحقق مسلكاً ولكن لم يعد منهم المفيد . . . الخ .



أقول :

أولاً : باب العلم في عصر حضور الإمام وفي عصر النبوة ليس مفتوحاً مطلقاً كما أن الإجتهاد في استنباط الأحكام أيضاً لا يرتفع أيضاً مطلقاً بل الإجتهاد أمر وأصل يعمل به في عصر الحضور كالغيبة وباب العلم بالأحكام أيضاً منسد في عصر الحضور كعصر الغيبة غير أن دائرة كل واحد منها في عصر الحضور أضيق من دائرته في عصر الغيبة وإلا حتى المتشرفين بمحاضرهم الشريفة لابد لهم في بعض الموارد من العمل ببعض الظنون المعتبرة سيما إذا كانوا غائبين عن مجلسه وفي الأماكن البعيدة فكما أن الفصل الزماني بيننا وبين عصر الحضور أوجب توسعة دائرة الإجتهاد وإعمال الأصول العقلائية اللفظية والعقلية وجواز العمل بالظنون المعتبرة الشرعية ، كذا الفصل المكاني أيضاً ربما يوجب ذلك وكما أن شأن اجتهاد مجتهد مثل الشيخ والمحقق في استنباط الأحكام يظهر في مثل عصورنا هذه فكذلك يظهر أيضاً في عصورهم عليهم السلام عند الاحتياج إلى الإجتهاد الذي لابد منه ، ولعل هذا هو المراد من التفقه الذي أمرنا به في عصر الحضور أيضاً وقال الصادق عليه السلام فيه : (ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام) ولو لم يكن ذلك كله فلا ريب أنه بعضه .

وثانيا : أنه قال : وأجد هناك ورقة مكتوبة فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين فمهما تضمنته الورقة أعمل به) وهذا كلام لا يخلو فهمه لنا من الإشكال ، فهل أراد منه أنه يحكم بما تضمنته هذه الورقة من غير مطالبة البينة عن المدعي أو اليمين عما ادعى عليه فيحكم بحكم داود أو إن الورقة يتضمن أحكام القضاء مما لم يبيّن له من ذي قبل ، وكيف كان فالظاهر منه أن الرجوع إلى الورقة مختص بالمحاكمة بين المؤمنين .

وثالثا : يمكن أنه إنما لم ير لغير هؤلاء الخمسة ذكراً عندهم اتفاقاً وفي مدة كان هناك ولا يفهم من ذلك أنه ليس لغيرهم عندهم ذكر مطلقا.

ورابعا : يمكن أن يكون ذلك لأن كل واحد من هؤلاء يكون رأساً في طريقته العلمية الخاصة به ، أو لغير ذلك وعلى كل حال ، لا يكون مثل ذلك وعدم ذكر مثل المفيد مع جلالة قدره وعظم شأنه أمارة على الوضع والجعل أصلا .

جمعه ۲۹ بهمن ۱۳۸۹ ساعت ۹:۵۵