بسم الله الرحمن الرحيم
لاتتطلع هذه الاسطر القليلة الى ملء جميع الفرغات التي يتكفلها البحث العلمي في خصوص المادة المبحوث عنها بقدر ماتتطلع الى رسم تاريخ ـ ضمن حدودها ـ لمسيرة مفردة من المفردات العلمية وتعقب حركتها منذ ولادتها حتى نموها فانتشارها حالها في ذلك حال أي كائن حي لايختلفان تماما من هذه الوجهة . مقتصرين على الدائرة الشيعية فقط من غير تعميم الى التجربة المعتزلية وغيرهم . اخذين بعين الاعتبارـ أيضا ـ الحواضر العلمية التي احتضنت تلك المفردة ( كبغداد والحلة وحلب وحمص وغيرها ) وكانت بسبب واخر وراء انتشارها بحسب منهج التأثيروالتأثر . على أنا لانغفل جانبا قد يكون مهما في حد ذاته وهو أن الاسماء التي ستذكر من الملتزمين بهذه المفردة كوجه للاعجاز القراني ـ بحسب نطرنا ـ لايمثلون العدد الاخير لمجموع القائلين بها وانما قصاراه الاشارة الهرمية الملحوظة والمتمثلة في هاولاء المدرجة اسماؤهم في طي البحث .
شهد مبحث الصرفة لونا من التلكؤ الواضح الى جانب الضبابية التي كانت تعتوره ، أعني بذلك مجموع الاعمال التي دارت حول الصرفة كمنظومة تشمل اطيافا متعددة بما فيها من المدارس المتعددة المختلفة الانتماءات . فالملاحظ في تلك الابحاث وخاصة في الجنبة الشيعية منها انها مادة اجترارية ليس لها من هم سوى ذلك . وتحاول في نفس الوقت ابداء صورة مفادها أنه ليس للشيعة يد في بقاء واستمرار نظرية الصرفة . وكأن الشيعي عندما يكتب عنها انما يتحدث عن ظاهرة غريبة وشيء طارئ على واقع الوسط الشيعي . ولكن البحث التاريخي يفيد معطا اخر يقاطع تلك النظرة البدوية المفادة من تلك البحوث الى أن التنظير والابداع انما صيغا بمعناهما المتكامل لتلك النظرية من الفكر الشيعي الذي نفخ فيها الحياة ولونها حتى خرجت متماسكة متعادلة . والهدف الرئيس من وراء مداخلتي هذه انما هو الاشارة فقط الى تاريخ المسألة وذكرالقائلين بها دونما الولوج في مداخل هذه المسالة وبيان تفاصيلها لعلها تكون محفزا لان ينبري باحث الى دراسة ( الصرفة ) كوجه من وجوه الاعجاز القراني والاسباب التي دعت اصحابها الى الالتزام بها دراسة موضوعية جادة في هذا المجال وهذا ما تفتقده المكتبة الشيعية فعلا .
وهنا نجد انفسنا ملزمين بالاشارة السريعة الى المعنى اللغوي والاصطلاحي لمصطلح ( الصرفة ) حتى يكون القارئ على هدى من امره عند القراءة .
الصرفة لغة :
الصرف في اللغة يدور معناه حول رد الشيء ورجوعه ، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة ( 3/ 342 ) : صرف الصاد والراء والفاء معظم بابه يدل على رجع الشيء ، من ذلك صرفت القوم صرفا وانصرفوا اذا رجعتهم فرجعوا .
الصرفة في الاصطلاح :
للصرفة كمصطلح كلامي عدة احتمالات احتملها العلماء وذلك نتيجة عدم الوضوح الذي اتسم به ، وقد ذكروا ثلاث احتمالات :
(1 ) ـ ان يريدوا من ( الصرفة ) ان الله سلب دواعيهم عن المعارضة مع توافر تلك الدواعي في حقهم .
( 2 ) ـ ان يكون المراد منها ان الله سلبهم العلوم التي يمكنهم من خلالها الاتيان بمثل القران او بما يشابهه .
( 3 ) ـ ان يراد من الصرفة ان الله سبحانه وتعالى منعهم على سبيل الالجاء والقسر عن المعارضة مع كونهم قادرين عليها .
وحان الان ذكر الاعلام الملتزمين بالقول بالصرفة بحسب ما وقفنا عليهم :
( الاول ) الشيخ المفيد ، أبوعبد الله ، محمد بن محمد بن النعمان ، البغدادي العكبري ، رئيس المذهب الامامي في وقته ، من أعلام القرن الخامس ، والمتوفى في سنة ( 413 ) . قال في كتابه ( أوائل المقالات في المذاهب المختارات ) ـ وهوكما يوحي اسمه يمثل اراء و معتقدات نفس المفيد ـ تحت عنوان ( القول في جهة اعجازالقران ) : ان جهة ذلك هو الصرف من تعالى لاهل الفصاحة واللسان عن المعارضة للنبي صلى الله عليه واله بمثله في النظام عند تحديه لهم ، وجعل انصرافهم عن الاتيان بمثله وان كان مقدورهم دليلا على نبوته صلى الله عليه واله ، واللطف من الله تعالى مستمر في الصرف عنه الى اخر الزمان ، وهذا من أوضح برهان في الاعجاز ، واعجب بيان . وهومذهب النظام ، وخالف فيه جمهور أهل الاعتزال .
وهنا تفرض علينا طبيعة البحث عدة محاور يلزمنا عرضها وهي كالتالي :
(1) ـ ما هو مدى صحة نسبة هذا المذهب الى المفيد ؟
(2) ـ النص المتقدم ماذا يمكن ان نستفيد منه هل انه في صدد عرض مقالة النظام فقط او لا ؟ ثم اي نوع من انواع اقسام الصرفة يدلل عليه قول المفيد ؟
(3) ـ هل هناك نقولات اخرى غير ماتقدم في اوائل المقالات يختار فيه المفيد لونا اخر من انواع الاعجاز ؟
المحور الاول : لما كان هذا الرأي ( أعني الصرفة ) مخالفا لنظر جمهور الاعلام من المتقدمين والمتأخرين ، ذهب بعض الى تأويل هذا المذهب المنسوب الى المفيد لما رأوه لايتقارب مع ارائه العلمية وتحيقاته المتقدمة الفذة . لكن في الحقيقة لايمكن العدول بأي معنى للعدول سواء بالتأويل له أو غيره عن هذا المثبت مالم يتراجع عنه بعبارة صريحة تفيد ذلك .
المحور الثاني : المراد من الصرفة في النص المتقدم هو أن الله صرف دواعي أهل اللسان عن معارضته مع حصول تلك الدواعي لهم وتوفرها فيهم . وأما عن الدليل الذي يمكن أن يستأنس به في المقام في تفسيرنا للصرفة بما تقدم فهو قول المصنف في ذيل كلامه المتقدم : ( وهو مذهب النظام ... ) . ؟؟
أما عن التساؤل المطروح أولا في هذا المحور ( هل أن المفيد في صدد عرض مقالة النظام ؟ ) لايخالط القارئ ادنى شبهة عندما يقرأ كلام المفيد المتقدم أنه بصدد عرض ما تبناه وارتضاه في مقام الاعجاز على الاقل في حدود هذا الكتاب ، وأنك لولاحظت تصدير كلامه بـ ( أقول ) يتضح لك ماقلناه .
المحور الثالث : ذكر القطب الراوندي ( 573 هـ ) في كتابه الخرائج والجرائح (3/ 269) في فصل (و جه اعجاز القران ) أن هناك سبعة وجوه في اعجازالقران الكريم وصدر القول بمذهب السيد المرتضى وهو الصرفة ، ثم أردفه بالقول الثاني قائلا : ما ذهب اليه السيخ المفيد (ره ) انهم لم يعارضوا من حيث اختص برتبة في الفصاحة خارقة للعادة ، لان مراتب البلاغة محصورة متناهية ، فيكون مازاد على المعتاد معجزا وخارقا للعادة .
وقال المجلسي في بحار الانور( 17 / 224 ) : ( وأما وجه اعجازه : فالجمهور من العامة والخاصة ومنهم الشيخ المفيد قدس الله روحه على أن اعجاز القران بكونه في الطبقة العليا من الفصاحة والدرجة القصوى من البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم ...) .
للان تبين أن للمفيد في اعجازالقران قولين : أولهما الصرفة ، وثانيهما الفصاحة الخارقة للعادة . ولانعلم أن ما ذكره القطب الراوندي ونسبه للمفيد هل هو نص عبارته أوهو عبارة عن شرح لما فهمه من كلامه ؟ ثم من أين استقى هذا القول حتى نسبه الى المفيد ؟ ذاك أيضا مما لايمكننا استفادته من نفس كلام القطب الراوندي . وغير بعيد أن يكون كلام المجلسي مدركه الاول هو كتاب الخرائج والجرائح ، لانه هو الاخر لم يصرح بمستند كلامه . هذا ولابد من التنبيه الى نقطة هنا وهي ملاحظة مساق كلام المجلسي المتقدم حينما نظر الى المفيد وخصه بالذكر وعطفه على العام وهو ( الخاصة ) مع أنه كان يكفيه ذكر( الخاصة ) لشموله للمفيد وغيره ، وفي ذلك من الاشارة الواضحة الى شهرة هذا القول عنه ، والا لما كان للتخصيصه بالذكر وجه مستحسن .
( الثاني ) الشريف المرتضى ، علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى ، أبو القاسم ، علم الهدى ، الموسوي ، من أعلام القرن الخامس ، المتوفى سنة ( 436 هـ ) كان المرتضى له الباع الطولى في انشاء مذهب الصرفة وتدشين اسسه ووضع اركانه وتوضيح صورته واقامة صرحه وتقديم الادلة اللازمة له كأحد الاقوال في باب أوجه الاعجاز المطروحة في القران . وفي اعتقادي أنه لولا السيد المرتضى ونفاحه وكفاحه واهتماماته بدراسة جوانب متعددة في مقولة ( الصرفة ) لماتت تلك المقولة ـ لاأقل عند الشيعة ـ منذ عهود غابرة ولكتب لها منذ يومها الذي ولدت فيه الفناء الازلي . ومن هنا نرى أن محيي ومبدع ذلك المذهب انما هو المرتضى علم الهدى على الحقيقة ، فعلى يديه تبلورت كنظرية لها حدودها وادلتها وكامل ما تحتاج اليه أي نظرية لتثبت في الاخيرجدارتها وتفرض نفسها على أرض الواقع . أما مانسمع من أن المعتزلة هي المنبت الاول الذي ولدت فيه نظرية الصرفة فهو وان كان غير مجانب للصواب من الناحية التاريخية لكن لم الصرفة في وقتها واضحة المعالم ، بل يشوبها لون من الضبابية الى حد أننا لا نعرف معنى الصرفة وأقسامها الى غيرذلك .
لقد أخذت ( الصرفة ) مأخذها الواضح من المرتضى حتى استمكنت من نفسه الى حد أنه صار يبطل كل قول يخالفها ، بل ويقيم الدليل على بطلان قول المخالف وصحة ماذهب اليه بنفس عالية وخطودؤوب وصدرمنشرح الى جلد كبير، كما هوحال كل عظيم يتبنى نظرية فكرية كبرى .
لقد تبدت عناية المرتضى واضحة للعيان بمسلك ( الصرفة ) حينما نراه يطرحها في كل كتاب من كتبه عندما يرى الوقت المناسب لها فتراه لايتردد في الولوج الى تلك المباحث المرتبطة بتلك النظرية ، وتبلغ العناية ذروتها حين نرى المرتضى يفرد نظريته ـ التي ارتضها وجها من وجوه الاعجازـ بكتاب خاص لها تناول فيه كافة ما له علقة بالمسألة المبحوث عنها بتفصيل ينبئ عن تفهم دقيق لكافة جوانبها .
نحاول هنا ان نرصد كلمات المرتضى التي لها علقة بمبحث ( الصرفة ) فيما وصل بين أيدينا من مؤلفاته :
(1 ) ـ شرح جمل العلم والعمل ، قال في المتن ( ص 175 ) : فاما أن يكون القران من فعله تعالى على سبيل التصديق له ـ عليه السلام ـ فيكون هو العلم المعجز ، أو يكون صرف القوم عن معارضته ، فيكون الصرف هو العلم الدال على نبوته ـ عليه السلام . وقد بينا في كتاب الصرفة الصحيح من ذلك وبسطناه .
وقال ـ بعد ذلك ـ في شرح المتن المتقدم في كلام طويل نأخذ منه موضع الحاجة : ( فاما الكلام في جهة اعجازه هل هو صرف القوم عن معارضته على مانذهب اليه ، أوفرط الفصاحة التي فيه ، أوما يتضمنه من الاخبار بالغائبات ، أوغيرذلك من الوجوه التي ذكرناها ...) .
(2 ) ـ الذحيرة في علم الكلام ، ذكر المرتضى في الفصل الذي عقده تحت عنوان ( في جهة دلالة القران على النبوة ) قائلا : اختلف الناس في ذلك ـ أي في جهة الدلالة ـ فقال قوم : ان وجه دلالة القران على النبوة أن الله تعالى صرف العرب عن معارضته ، وسلبهم العلم الذي به يتمكنون من مماثلته في نظمه وفصاحته ، ولولا هذا الصرف لعارضوا . والى هذا الوجه أذهب ، وله نصرت في كتابي المعروف بالموضح عن جهة اعجازالقران .
واستفاض المرتضى في الكلام على هذا الوجه وعرض أدلته من ( ص 378 الى ص 404 )
(3 ) رسائل الشريف المرتضى ، وقد طبعت هذه المجموعة المهمة من رسائله تحت ـ وهي متعددة وكثيرة وفي مسائل وموضوعات مختلفة أيضا ـ عنوان رسائل الشريف المرتضى . ونحن بدورنا سنذكر النص الذي يتضمن الفكرة ونشير الى اسم الرسالة التي ورد فيها النص أيضا :
( 1 ) ـ جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة ، ضمن المسألة العاشرة ، قال فيها بعد كلام تقدمه : والمعجز هاهنا الخارق للعادة وان كان الصرف عن المعارضة ، فلهذا الصرف تعلق بالقران ، من كان صرفا عن معارضته .
وقال في مكان اخر من نفس الرسالة : ولفظة ( أعجزهم ) عن الاتيان بمثله بمذهب الصرفة أشبه وأليق ، لان ذلك يقتضي أنه لولم يعجزهم عن الاتيان بمثله يفعلوا .
( 2 ) جوابات المسائل الرسية الاولى ، ضمن المسألة الثالثة ، وأليك بعضا مما له علقة بمورد كلامنا . قال المرتضى : اعلم أن هذه لم يخطر الاببال من تصفح كتبي ، وقرأ كلامي في نصرة القول بالصرفة ، واعتمادي في نصرتها على أن أحدا لايفرق بالضرورة من غير استدلال بين مواضع من القران وبين افصح كلام للعرب في الفصاحة .
وقال في مكان اخر من نفس المسألة الثالثة : فحينئذ يعلم أن جهة اعجازه هي الصرفة لافرط فصاحته ، لانه قد علم تعذر المعارضة لائحة ، واذا لم يكن معارضته لفرط الفصاحة فليس الا الصرف .
( 4 ) ـ الموضح عن جهة اعجاز القران ، وفي هذا الكتاب الذي يمثل عصارة نطرية الصرفة المتبناة من قبله ، وخلاصة ما توصل اليه في رسم اخير لكافة محطات مذهب الصرفة ، ورسم لتلك الملامح العامة التي كانت لاتتجاوز صفحات معدودة في كتبه المتقدمة أعلاه حتى اصبحت ضمن هذا الكتاب ـ وهوبمثابة النتيجة النهائية ـ مبحثا كاملا رائدا يتكفل بيان كل ما يمكن أن يمت بصلة حقيقية اليه حتى جاء كما أراد له المرتضى لوحة فنية تعبرعن مدى دقة وفضل عاليين .
واليك عبارة الامين الطبرسي في مجمع البيان ( 1 / 83 ) حينما صادف الكلام عن مذهب الصرفة وذكر كتاب الموضح عن جهة اعجاز القران قال : فانه ـ أي المرتضى ـ فرع الكلام فيه هناك الى غاية ما يتفرع ، ونهاه الى نهاية ما ينتهي ، فلايشق غباره غاية الابد اذا استولى فيه على الامد .
ولايسعنا هنا أن نورد نصا مختارا كما فعلنا في الكتب المتقدمة أعلاه مادام الكتاب من أوله حتى اخره يدور حول ( الصرفة ) .
( الثالث ) الشيخ الطوسي ، محمد بن الحسن ، أبوجعفر ، الطوسي ، من أعلام القرن الخامس ، والمتوفى سنة ( 460 هـ) . يعد الطوسي من التلاميذ البارزين للمرتضى ، وبطبيعة الحال يكون هناك نوع اهتمام بالتراث الذي يتركه الاستاذ من طرف التلامذة ، فكانت هناك عناية واضحة وملموسة من الطوسي تجاه فكر استاذه المرتضى تجلى ذلك من خلال الشرح الذي وصلنا للطوسي على متن مهم انذاك بل كان محط جملة من تلامذة المرتضى ، وهو كتاب جمل العلم والعمل ، حيث شرح الطوسي القسم الاول ( أي القسم النظري ) وسماه بـ (تمهيد الاصول ) ، و كان من رأي الطوسي في شرحه هذا هو أنه انتصر لها ودافع عنها كما ذهب الى ذلك المرتضى تماما .
ويتبين لنا من خلال كتاب الاقتصاد الهادي الى طريق الرشاد للطوسي أن اختياره لمذهب الصرفة لم يكن عن محض الاختيار أوعن تحقيق في المقام في خصوص هذه النظرية كما يحدثنا هو عن نفسه ( ص 173 ) : وان كنت نصرت في شرح الجمل القول بالصرفة على ما كان يذهب اليه المرتضى رحمه الله من حيث شرحت كتابه فلم يحسن خلاف مذهبه .
وفي الاخير كان الرأي الذي أختاره الطوسي في الاقتصاد هوأن الوجه في الاعجازهما مجموع الفصاحة والنظم دون أحدهما منفردا .
( الرابع ) تقي الدين بن نجم ، أبو الصلاح ، الحلبي ، من أعلام القرن الخامس أيضا والمتوفى سنة ( 447 هـ ) ، خليفة السيد المرتضى في علومه في البلاد الحلبية . قال في كتابه الذي ألفه في علم الكلام تقريب المعارف بعد أن أبطل الوجوه المتصورة في المقام والتي كان مطروحة في ذلك الوقت قال : واذا بطلت سائر الوجوه ثبت أن جهة الاعجاز كونهم مصروفين ...
ويتبين من خلال انتخابه للصرفة ( والتي بمعنى صرف العلوم ) مدى تأثير انتخاب استاذه المرتضى على اختياره .
( الخامس ) الامير الشاعر ، عبد الله بن محمد بن سنان ، الخفاجي ، المعروف بابن سنان ، من أعلام القرن الخامس ، والمتوفى سنة (466 هـ ) وكان من أعيان حلب ، وله كتابان : أحدهما ديوان شعر وثانيهما سرالفصاحة . وقد نص على اختيار مقولة الصرفه في كتابه الثاني ( أعني سر الفصاحة ) وفيه يتعرض الى أبي الحسن الرماني والى رد مذهبه في اعجاز القران ، وهو الفصاحة والبلاغة والنظم . ونحن نشير الى نص يتعلق باختياره هذا المذهب قال (ص89 ) : واذا عدنا الى التحقيق وجدنا وجه اعجاز القران صرف العرب عن معارضته ، بأن سلبوا العلوم التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك ...
وقال في موضع اخر ( ص 217 ) : والصحيح أن وجه الاعجاز في القران هو صرف العرب عن معارضته ...
وفي هذا اشارة واضحة الى مدى انتشار هذه النظرية في البلاد الحلبية على أيدي تلامذة المرتضى .
( السادس ) سعيد بن هبة الله بن الحسن ، أبو الحسين ، قطب الدين ، الراوندي ، صاحب المؤلفات الكثيرة ، الفقيه المحدث ، من أعلام القرن السادس ، والمتوفى سنة ( 573 هـ ) ، كان للراوندي الاهتمام الواضح بالقران كما يتبين ذلك من خلال الاثار التي وصلت الينا منها ، فقد ترك لنا فقه القران ورسالة في الناسخ والمنسوخ وأم المعجزات وهو من تتميمات الخرائج والجرائح . وأما عن كتبه التي لم تصل لنا مما لها علقة في موضوع القران فهي كثيرة أيضا : اسباب النزول و أم القرن شرح ايات الاحكام شرح الايات المشكلة في التنزيه وغيرها من مباحث ذكرها استطرادا هنا وهناك .
عقد الراوندي بحثا كبيرا استوعب فيه القول في مباحث الاعجاز ، وفي أول مباحث الاعجاز ذكر وجوه الاعجاز المتصورة وكانت سبعة على حدود اطلاعه هو وبحسب وقته وزمانه ، وصدر الاقوال السبعة بالقول بالصرفة وجعله أول اوجه الاعجاز . فهو وان رجح كون القران معجزا من حيث خروجه عن العادة في الفصاحة ، لكنه مع ذلك اختار كون القران معجزا من تلك الوجوه السبعة على وجه دون وجه وحسنه ومما يوحي بل ينص الى مزيد اهتمامه بمذهب الصرفة هو أنه رد جميع الاشكالات المتصورة والمثارة على نظرية الصرفة .
( السابع ) الفقيه المتكلم ، علاء الدين أبوالحسن ، علي بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي ، لم يذكر لنا شيء عن ولادته أوفاته وحتى عن عصره ، وان رجح مقدم الكتاب أنه من فقهاء القرن السادس . لم يذكر لابي المجد الحلبي أي كتاب سوى ما وصل بين أيدينا وهو كتابه ( أشارة السبق الى معرفة الحق ) والكتاب على قسمين : الاول منها في النظريات أو ما يسمى بعلم الكلام والثاني في العمليات وهوفيما له علقة باعمال المكلفين . ينص الحلبي على اختياره في مبحث الكلام في ركن النبوة على أن الصرفة كانت هي المعجز قال ( ص 42 ) : أنه لاوجه لاعجاز القران الا الصرفة وهي خارجة عن مقدور كل قادر بقدرة ...
والملاحظ في كتاب اشارة السبق يجد نوعا من الاشارات في أنه القول بالصرفة كان مشهورا الى حد يستغنى معه عن اقامة الدليل كما هو واضح من خلال الاقتضاب الذي طرح به الحلبي اختياره لهذه النظرية ، مما يعني أن انها صارت في مرحلة اخرى فرضت نفسها لكثرة الملتزمين بها من الاعلام وتحولت الى بدهية .
( الثامن ) المتكلم الفقيه ، سديد الدين ، محمود بن علي بن الحسن ، الحمصي الرازي ، من اعلام القرنين السادس والسابع ، من مشايخ منتجب الدين القمي ، وهو أول من ذكره في كتابه الفهرست . كانت له اليد الطولى في علم الكلام كما يبدو واضحا من كتابه المسمى بـ ( المنقذ من التقليد والمرشد الى التوحيد ) أو ما يسمى بـ ( التعليق العراقي ) يعرض سديد الدين هنا ضمن هذا الكتاب رأيه في خصوص الاعجاز القراني ونراه يقف مدافعا عن موقفه تجاه هذه النظرية . ولاأرى أن لنا حاجة الى نقل ما يدلل على التزام الحمصي بهذا الاتجاه بعد وضوحه لكل من راجعه .
وهذا وتجدرالاشارة هنا الى أن الحمصي حينما ألف هذا الكتاب ألفه بطلب من علماء الحلة والتماسهم له حنيما حل بالحلة السيفية انذاك كما نص على ذلك في مقدمة كتابه وعليه يظهر أن طرح هكذا وجه للاعجاز قد يشكل نوعا من الغرابة في تلك الاوساط ولما لم يبن شيء من ذلك بان أن هناك قاعدة لابأس فيها تمثل أوتستوعب هذا الاتجاه .
( التاسع ) رشيد الدين ، أبوسعيد ، عبد الجليل بن أبي الفتح مسعود بن عيسى ، الرازي ، أستاذ علماء العراق في الاصولين ، صاحب كتاب ( النقض ) وهومن شيوخ منتجب الدين الرازي ، وكذا من شيوخ سديد الدين الحمصي المتقدم ، والعجب أن المقدم للكتاب ( أي التعليق العراقي ) لم يذكره في عداد الشيوخ للحمصي ، مع أنه ينص على ذلك حيث قال في ( ج 1 / 468 من كتابه التعليق العراقي ) : وقد كان شيخنا رشيد الدين .
ما يهمنا هنا هو ذلك النص الذي ينقله لنا الحمصي عن شيخه وهو في معرض التأييد أو الرد على أصحاب الفصاحة ولابأس هنا بأن ننقل النص قال الحمصي ( ج1 / 468 ) : وقد كان شيخنا رشيد الدين رحمه الله يرد على اصحاب الفصاحة بأن يقول لايمكنكم بيان خرق العادة في ظهور القران على النبي عليه السلام . وذلك لان عندهم أن الله يعطي العرب من الفصاحة المقدار الذي كانوا يظهرونها ، واجرى عادته فيهم بذلك ، وبعد نزول القران بقوا على ماكانوا عليه من الفصاحة لم ينتقض من فصاحتهم شيء ، فأي عادة انحرقت . وانما يمكن بيان خرق العادة على مذهب أصحاب الصرفة ، بأن يقال : ان الله اعطى العرب من الفصاحة قبل وقوع التحدي بالقران مايقارب فصاحة القران واجرى عادته فيهم بذلك ، ثم بعد نزول القران ووقوع التحدي به سلبهم تلك الفصاحة بأن لم يخلق لهم العلوم التي بها كانوا متمكنين من تلك الفصاحة ، فيكون ذلك خرق العادة التي أجراها منهم ونقضها .
ثم أن هنا عدة تساؤلات يمكن طرحها على هذا النص المتقدم :
( 1 ) هل أن رشيد الدين في مقام التزام الصرفة كوجه للاعجاز؟ أوهو ـ كمتكلم ـ في مقام الاخذ والرد على عادة المتكلمين ؟
( 2 ) ثم ان الحمصي لم يطلعنا على مورد استقائه لذلك النص هل كان بالنقل الشفاهي المحض باعتبار أنه كان يحضر جلساة استاذه وعادة ما تدور المناقشات وغيرها بين الاستاذ وتلامذته أو أي طرف مفروض ؟ أو نقله كان عن كتاب في خصوص هذه المسألة اوأي مباحث اخرى استطرادية صادف فيها الكلام عن هذا المسألة ؟ على أنه يذكر منتجب الدين لرشيد الدين ضمن تصانيفه كتابا حول المعجز سماه ( مسألة في المعجز ) لعله عنه اخذ الحمصي النص المتقدم .
( العاشر ) نجم الدين ، أبوالقاسم ، جعفر بن الحسن بن سعيد ، المحقق الحلي ، من أعلام القرن السابع ، وهو صاحب كتاب شرائع الاسلام ، المتوفى سنة ( 676 هـ ) والمحقق الحلي نراه يصوب القول بالصرفة في كتابه المسلك في أصول الدين (182 ) بعد ان عرض لبعض وجوه الاعجاز واشار الى الصرفة قال : ولعل هذا الوجه أشبه بالصواب .
( الحادي عشر) جعفر بن خضر ، الجناجي النجفي كاشف الغطاء ، من أعلام القرن الثالث عشر ، والمتوفى سنة ( 1228 هـ ) حيث ذكرفي كتابه المعروف ( كشف الغطاء ) أن القول بالصرفة بالنسبة الى بعض السور القصار غير بعيد ، واليك نص عبارته ( ج 2 / 298 ) : ولايبعد القول بالصرفة بالنسبة الى بعض السور القصار ، وبالامرين معا في حق الكبار ، أو المجتمع عن الصغار ، وربما يوجه بذلك التعجيز بسورة مرة وبعشر اخرى ، وان كانت له وجوه اخرى .
ولكن كما ترى أن هذا القول أخص من الاقوال التي تقدمته باعتبار أن تلك الاقوال ناظرة الى عموم القران بخلافه في قول كاشف الغطاء حيث خصه في السور القصارفي أحد الترددين المذكورين ، وفي الطرف الاخر احتمل أن يكون كل من الصرفة والفصاحة والبلاغة مجموعها هو سبب الاعجاز .
لاتتطلع هذه الاسطر القليلة الى ملء جميع الفرغات التي يتكفلها البحث العلمي في خصوص المادة المبحوث عنها بقدر ماتتطلع الى رسم تاريخ ـ ضمن حدودها ـ لمسيرة مفردة من المفردات العلمية وتعقب حركتها منذ ولادتها حتى نموها فانتشارها حالها في ذلك حال أي كائن حي لايختلفان تماما من هذه الوجهة . مقتصرين على الدائرة الشيعية فقط من غير تعميم الى التجربة المعتزلية وغيرهم . اخذين بعين الاعتبارـ أيضا ـ الحواضر العلمية التي احتضنت تلك المفردة ( كبغداد والحلة وحلب وحمص وغيرها ) وكانت بسبب واخر وراء انتشارها بحسب منهج التأثيروالتأثر . على أنا لانغفل جانبا قد يكون مهما في حد ذاته وهو أن الاسماء التي ستذكر من الملتزمين بهذه المفردة كوجه للاعجاز القراني ـ بحسب نطرنا ـ لايمثلون العدد الاخير لمجموع القائلين بها وانما قصاراه الاشارة الهرمية الملحوظة والمتمثلة في هاولاء المدرجة اسماؤهم في طي البحث .
شهد مبحث الصرفة لونا من التلكؤ الواضح الى جانب الضبابية التي كانت تعتوره ، أعني بذلك مجموع الاعمال التي دارت حول الصرفة كمنظومة تشمل اطيافا متعددة بما فيها من المدارس المتعددة المختلفة الانتماءات . فالملاحظ في تلك الابحاث وخاصة في الجنبة الشيعية منها انها مادة اجترارية ليس لها من هم سوى ذلك . وتحاول في نفس الوقت ابداء صورة مفادها أنه ليس للشيعة يد في بقاء واستمرار نظرية الصرفة . وكأن الشيعي عندما يكتب عنها انما يتحدث عن ظاهرة غريبة وشيء طارئ على واقع الوسط الشيعي . ولكن البحث التاريخي يفيد معطا اخر يقاطع تلك النظرة البدوية المفادة من تلك البحوث الى أن التنظير والابداع انما صيغا بمعناهما المتكامل لتلك النظرية من الفكر الشيعي الذي نفخ فيها الحياة ولونها حتى خرجت متماسكة متعادلة . والهدف الرئيس من وراء مداخلتي هذه انما هو الاشارة فقط الى تاريخ المسألة وذكرالقائلين بها دونما الولوج في مداخل هذه المسالة وبيان تفاصيلها لعلها تكون محفزا لان ينبري باحث الى دراسة ( الصرفة ) كوجه من وجوه الاعجاز القراني والاسباب التي دعت اصحابها الى الالتزام بها دراسة موضوعية جادة في هذا المجال وهذا ما تفتقده المكتبة الشيعية فعلا .
وهنا نجد انفسنا ملزمين بالاشارة السريعة الى المعنى اللغوي والاصطلاحي لمصطلح ( الصرفة ) حتى يكون القارئ على هدى من امره عند القراءة .
الصرفة لغة :
الصرف في اللغة يدور معناه حول رد الشيء ورجوعه ، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة ( 3/ 342 ) : صرف الصاد والراء والفاء معظم بابه يدل على رجع الشيء ، من ذلك صرفت القوم صرفا وانصرفوا اذا رجعتهم فرجعوا .
الصرفة في الاصطلاح :
للصرفة كمصطلح كلامي عدة احتمالات احتملها العلماء وذلك نتيجة عدم الوضوح الذي اتسم به ، وقد ذكروا ثلاث احتمالات :
(1 ) ـ ان يريدوا من ( الصرفة ) ان الله سلب دواعيهم عن المعارضة مع توافر تلك الدواعي في حقهم .
( 2 ) ـ ان يكون المراد منها ان الله سلبهم العلوم التي يمكنهم من خلالها الاتيان بمثل القران او بما يشابهه .
( 3 ) ـ ان يراد من الصرفة ان الله سبحانه وتعالى منعهم على سبيل الالجاء والقسر عن المعارضة مع كونهم قادرين عليها .
وحان الان ذكر الاعلام الملتزمين بالقول بالصرفة بحسب ما وقفنا عليهم :
( الاول ) الشيخ المفيد ، أبوعبد الله ، محمد بن محمد بن النعمان ، البغدادي العكبري ، رئيس المذهب الامامي في وقته ، من أعلام القرن الخامس ، والمتوفى في سنة ( 413 ) . قال في كتابه ( أوائل المقالات في المذاهب المختارات ) ـ وهوكما يوحي اسمه يمثل اراء و معتقدات نفس المفيد ـ تحت عنوان ( القول في جهة اعجازالقران ) : ان جهة ذلك هو الصرف من تعالى لاهل الفصاحة واللسان عن المعارضة للنبي صلى الله عليه واله بمثله في النظام عند تحديه لهم ، وجعل انصرافهم عن الاتيان بمثله وان كان مقدورهم دليلا على نبوته صلى الله عليه واله ، واللطف من الله تعالى مستمر في الصرف عنه الى اخر الزمان ، وهذا من أوضح برهان في الاعجاز ، واعجب بيان . وهومذهب النظام ، وخالف فيه جمهور أهل الاعتزال .
وهنا تفرض علينا طبيعة البحث عدة محاور يلزمنا عرضها وهي كالتالي :
(1) ـ ما هو مدى صحة نسبة هذا المذهب الى المفيد ؟
(2) ـ النص المتقدم ماذا يمكن ان نستفيد منه هل انه في صدد عرض مقالة النظام فقط او لا ؟ ثم اي نوع من انواع اقسام الصرفة يدلل عليه قول المفيد ؟
(3) ـ هل هناك نقولات اخرى غير ماتقدم في اوائل المقالات يختار فيه المفيد لونا اخر من انواع الاعجاز ؟
المحور الاول : لما كان هذا الرأي ( أعني الصرفة ) مخالفا لنظر جمهور الاعلام من المتقدمين والمتأخرين ، ذهب بعض الى تأويل هذا المذهب المنسوب الى المفيد لما رأوه لايتقارب مع ارائه العلمية وتحيقاته المتقدمة الفذة . لكن في الحقيقة لايمكن العدول بأي معنى للعدول سواء بالتأويل له أو غيره عن هذا المثبت مالم يتراجع عنه بعبارة صريحة تفيد ذلك .
المحور الثاني : المراد من الصرفة في النص المتقدم هو أن الله صرف دواعي أهل اللسان عن معارضته مع حصول تلك الدواعي لهم وتوفرها فيهم . وأما عن الدليل الذي يمكن أن يستأنس به في المقام في تفسيرنا للصرفة بما تقدم فهو قول المصنف في ذيل كلامه المتقدم : ( وهو مذهب النظام ... ) . ؟؟
أما عن التساؤل المطروح أولا في هذا المحور ( هل أن المفيد في صدد عرض مقالة النظام ؟ ) لايخالط القارئ ادنى شبهة عندما يقرأ كلام المفيد المتقدم أنه بصدد عرض ما تبناه وارتضاه في مقام الاعجاز على الاقل في حدود هذا الكتاب ، وأنك لولاحظت تصدير كلامه بـ ( أقول ) يتضح لك ماقلناه .
المحور الثالث : ذكر القطب الراوندي ( 573 هـ ) في كتابه الخرائج والجرائح (3/ 269) في فصل (و جه اعجاز القران ) أن هناك سبعة وجوه في اعجازالقران الكريم وصدر القول بمذهب السيد المرتضى وهو الصرفة ، ثم أردفه بالقول الثاني قائلا : ما ذهب اليه السيخ المفيد (ره ) انهم لم يعارضوا من حيث اختص برتبة في الفصاحة خارقة للعادة ، لان مراتب البلاغة محصورة متناهية ، فيكون مازاد على المعتاد معجزا وخارقا للعادة .
وقال المجلسي في بحار الانور( 17 / 224 ) : ( وأما وجه اعجازه : فالجمهور من العامة والخاصة ومنهم الشيخ المفيد قدس الله روحه على أن اعجاز القران بكونه في الطبقة العليا من الفصاحة والدرجة القصوى من البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم ...) .
للان تبين أن للمفيد في اعجازالقران قولين : أولهما الصرفة ، وثانيهما الفصاحة الخارقة للعادة . ولانعلم أن ما ذكره القطب الراوندي ونسبه للمفيد هل هو نص عبارته أوهو عبارة عن شرح لما فهمه من كلامه ؟ ثم من أين استقى هذا القول حتى نسبه الى المفيد ؟ ذاك أيضا مما لايمكننا استفادته من نفس كلام القطب الراوندي . وغير بعيد أن يكون كلام المجلسي مدركه الاول هو كتاب الخرائج والجرائح ، لانه هو الاخر لم يصرح بمستند كلامه . هذا ولابد من التنبيه الى نقطة هنا وهي ملاحظة مساق كلام المجلسي المتقدم حينما نظر الى المفيد وخصه بالذكر وعطفه على العام وهو ( الخاصة ) مع أنه كان يكفيه ذكر( الخاصة ) لشموله للمفيد وغيره ، وفي ذلك من الاشارة الواضحة الى شهرة هذا القول عنه ، والا لما كان للتخصيصه بالذكر وجه مستحسن .
( الثاني ) الشريف المرتضى ، علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى ، أبو القاسم ، علم الهدى ، الموسوي ، من أعلام القرن الخامس ، المتوفى سنة ( 436 هـ ) كان المرتضى له الباع الطولى في انشاء مذهب الصرفة وتدشين اسسه ووضع اركانه وتوضيح صورته واقامة صرحه وتقديم الادلة اللازمة له كأحد الاقوال في باب أوجه الاعجاز المطروحة في القران . وفي اعتقادي أنه لولا السيد المرتضى ونفاحه وكفاحه واهتماماته بدراسة جوانب متعددة في مقولة ( الصرفة ) لماتت تلك المقولة ـ لاأقل عند الشيعة ـ منذ عهود غابرة ولكتب لها منذ يومها الذي ولدت فيه الفناء الازلي . ومن هنا نرى أن محيي ومبدع ذلك المذهب انما هو المرتضى علم الهدى على الحقيقة ، فعلى يديه تبلورت كنظرية لها حدودها وادلتها وكامل ما تحتاج اليه أي نظرية لتثبت في الاخيرجدارتها وتفرض نفسها على أرض الواقع . أما مانسمع من أن المعتزلة هي المنبت الاول الذي ولدت فيه نظرية الصرفة فهو وان كان غير مجانب للصواب من الناحية التاريخية لكن لم الصرفة في وقتها واضحة المعالم ، بل يشوبها لون من الضبابية الى حد أننا لا نعرف معنى الصرفة وأقسامها الى غيرذلك .
لقد أخذت ( الصرفة ) مأخذها الواضح من المرتضى حتى استمكنت من نفسه الى حد أنه صار يبطل كل قول يخالفها ، بل ويقيم الدليل على بطلان قول المخالف وصحة ماذهب اليه بنفس عالية وخطودؤوب وصدرمنشرح الى جلد كبير، كما هوحال كل عظيم يتبنى نظرية فكرية كبرى .
لقد تبدت عناية المرتضى واضحة للعيان بمسلك ( الصرفة ) حينما نراه يطرحها في كل كتاب من كتبه عندما يرى الوقت المناسب لها فتراه لايتردد في الولوج الى تلك المباحث المرتبطة بتلك النظرية ، وتبلغ العناية ذروتها حين نرى المرتضى يفرد نظريته ـ التي ارتضها وجها من وجوه الاعجازـ بكتاب خاص لها تناول فيه كافة ما له علقة بالمسألة المبحوث عنها بتفصيل ينبئ عن تفهم دقيق لكافة جوانبها .
نحاول هنا ان نرصد كلمات المرتضى التي لها علقة بمبحث ( الصرفة ) فيما وصل بين أيدينا من مؤلفاته :
(1 ) ـ شرح جمل العلم والعمل ، قال في المتن ( ص 175 ) : فاما أن يكون القران من فعله تعالى على سبيل التصديق له ـ عليه السلام ـ فيكون هو العلم المعجز ، أو يكون صرف القوم عن معارضته ، فيكون الصرف هو العلم الدال على نبوته ـ عليه السلام . وقد بينا في كتاب الصرفة الصحيح من ذلك وبسطناه .
وقال ـ بعد ذلك ـ في شرح المتن المتقدم في كلام طويل نأخذ منه موضع الحاجة : ( فاما الكلام في جهة اعجازه هل هو صرف القوم عن معارضته على مانذهب اليه ، أوفرط الفصاحة التي فيه ، أوما يتضمنه من الاخبار بالغائبات ، أوغيرذلك من الوجوه التي ذكرناها ...) .
(2 ) ـ الذحيرة في علم الكلام ، ذكر المرتضى في الفصل الذي عقده تحت عنوان ( في جهة دلالة القران على النبوة ) قائلا : اختلف الناس في ذلك ـ أي في جهة الدلالة ـ فقال قوم : ان وجه دلالة القران على النبوة أن الله تعالى صرف العرب عن معارضته ، وسلبهم العلم الذي به يتمكنون من مماثلته في نظمه وفصاحته ، ولولا هذا الصرف لعارضوا . والى هذا الوجه أذهب ، وله نصرت في كتابي المعروف بالموضح عن جهة اعجازالقران .
واستفاض المرتضى في الكلام على هذا الوجه وعرض أدلته من ( ص 378 الى ص 404 )
(3 ) رسائل الشريف المرتضى ، وقد طبعت هذه المجموعة المهمة من رسائله تحت ـ وهي متعددة وكثيرة وفي مسائل وموضوعات مختلفة أيضا ـ عنوان رسائل الشريف المرتضى . ونحن بدورنا سنذكر النص الذي يتضمن الفكرة ونشير الى اسم الرسالة التي ورد فيها النص أيضا :
( 1 ) ـ جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة ، ضمن المسألة العاشرة ، قال فيها بعد كلام تقدمه : والمعجز هاهنا الخارق للعادة وان كان الصرف عن المعارضة ، فلهذا الصرف تعلق بالقران ، من كان صرفا عن معارضته .
وقال في مكان اخر من نفس الرسالة : ولفظة ( أعجزهم ) عن الاتيان بمثله بمذهب الصرفة أشبه وأليق ، لان ذلك يقتضي أنه لولم يعجزهم عن الاتيان بمثله يفعلوا .
( 2 ) جوابات المسائل الرسية الاولى ، ضمن المسألة الثالثة ، وأليك بعضا مما له علقة بمورد كلامنا . قال المرتضى : اعلم أن هذه لم يخطر الاببال من تصفح كتبي ، وقرأ كلامي في نصرة القول بالصرفة ، واعتمادي في نصرتها على أن أحدا لايفرق بالضرورة من غير استدلال بين مواضع من القران وبين افصح كلام للعرب في الفصاحة .
وقال في مكان اخر من نفس المسألة الثالثة : فحينئذ يعلم أن جهة اعجازه هي الصرفة لافرط فصاحته ، لانه قد علم تعذر المعارضة لائحة ، واذا لم يكن معارضته لفرط الفصاحة فليس الا الصرف .
( 4 ) ـ الموضح عن جهة اعجاز القران ، وفي هذا الكتاب الذي يمثل عصارة نطرية الصرفة المتبناة من قبله ، وخلاصة ما توصل اليه في رسم اخير لكافة محطات مذهب الصرفة ، ورسم لتلك الملامح العامة التي كانت لاتتجاوز صفحات معدودة في كتبه المتقدمة أعلاه حتى اصبحت ضمن هذا الكتاب ـ وهوبمثابة النتيجة النهائية ـ مبحثا كاملا رائدا يتكفل بيان كل ما يمكن أن يمت بصلة حقيقية اليه حتى جاء كما أراد له المرتضى لوحة فنية تعبرعن مدى دقة وفضل عاليين .
واليك عبارة الامين الطبرسي في مجمع البيان ( 1 / 83 ) حينما صادف الكلام عن مذهب الصرفة وذكر كتاب الموضح عن جهة اعجاز القران قال : فانه ـ أي المرتضى ـ فرع الكلام فيه هناك الى غاية ما يتفرع ، ونهاه الى نهاية ما ينتهي ، فلايشق غباره غاية الابد اذا استولى فيه على الامد .
ولايسعنا هنا أن نورد نصا مختارا كما فعلنا في الكتب المتقدمة أعلاه مادام الكتاب من أوله حتى اخره يدور حول ( الصرفة ) .
( الثالث ) الشيخ الطوسي ، محمد بن الحسن ، أبوجعفر ، الطوسي ، من أعلام القرن الخامس ، والمتوفى سنة ( 460 هـ) . يعد الطوسي من التلاميذ البارزين للمرتضى ، وبطبيعة الحال يكون هناك نوع اهتمام بالتراث الذي يتركه الاستاذ من طرف التلامذة ، فكانت هناك عناية واضحة وملموسة من الطوسي تجاه فكر استاذه المرتضى تجلى ذلك من خلال الشرح الذي وصلنا للطوسي على متن مهم انذاك بل كان محط جملة من تلامذة المرتضى ، وهو كتاب جمل العلم والعمل ، حيث شرح الطوسي القسم الاول ( أي القسم النظري ) وسماه بـ (تمهيد الاصول ) ، و كان من رأي الطوسي في شرحه هذا هو أنه انتصر لها ودافع عنها كما ذهب الى ذلك المرتضى تماما .
ويتبين لنا من خلال كتاب الاقتصاد الهادي الى طريق الرشاد للطوسي أن اختياره لمذهب الصرفة لم يكن عن محض الاختيار أوعن تحقيق في المقام في خصوص هذه النظرية كما يحدثنا هو عن نفسه ( ص 173 ) : وان كنت نصرت في شرح الجمل القول بالصرفة على ما كان يذهب اليه المرتضى رحمه الله من حيث شرحت كتابه فلم يحسن خلاف مذهبه .
وفي الاخير كان الرأي الذي أختاره الطوسي في الاقتصاد هوأن الوجه في الاعجازهما مجموع الفصاحة والنظم دون أحدهما منفردا .
( الرابع ) تقي الدين بن نجم ، أبو الصلاح ، الحلبي ، من أعلام القرن الخامس أيضا والمتوفى سنة ( 447 هـ ) ، خليفة السيد المرتضى في علومه في البلاد الحلبية . قال في كتابه الذي ألفه في علم الكلام تقريب المعارف بعد أن أبطل الوجوه المتصورة في المقام والتي كان مطروحة في ذلك الوقت قال : واذا بطلت سائر الوجوه ثبت أن جهة الاعجاز كونهم مصروفين ...
ويتبين من خلال انتخابه للصرفة ( والتي بمعنى صرف العلوم ) مدى تأثير انتخاب استاذه المرتضى على اختياره .
( الخامس ) الامير الشاعر ، عبد الله بن محمد بن سنان ، الخفاجي ، المعروف بابن سنان ، من أعلام القرن الخامس ، والمتوفى سنة (466 هـ ) وكان من أعيان حلب ، وله كتابان : أحدهما ديوان شعر وثانيهما سرالفصاحة . وقد نص على اختيار مقولة الصرفه في كتابه الثاني ( أعني سر الفصاحة ) وفيه يتعرض الى أبي الحسن الرماني والى رد مذهبه في اعجاز القران ، وهو الفصاحة والبلاغة والنظم . ونحن نشير الى نص يتعلق باختياره هذا المذهب قال (ص89 ) : واذا عدنا الى التحقيق وجدنا وجه اعجاز القران صرف العرب عن معارضته ، بأن سلبوا العلوم التي بها كانوا يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك ...
وقال في موضع اخر ( ص 217 ) : والصحيح أن وجه الاعجاز في القران هو صرف العرب عن معارضته ...
وفي هذا اشارة واضحة الى مدى انتشار هذه النظرية في البلاد الحلبية على أيدي تلامذة المرتضى .
( السادس ) سعيد بن هبة الله بن الحسن ، أبو الحسين ، قطب الدين ، الراوندي ، صاحب المؤلفات الكثيرة ، الفقيه المحدث ، من أعلام القرن السادس ، والمتوفى سنة ( 573 هـ ) ، كان للراوندي الاهتمام الواضح بالقران كما يتبين ذلك من خلال الاثار التي وصلت الينا منها ، فقد ترك لنا فقه القران ورسالة في الناسخ والمنسوخ وأم المعجزات وهو من تتميمات الخرائج والجرائح . وأما عن كتبه التي لم تصل لنا مما لها علقة في موضوع القران فهي كثيرة أيضا : اسباب النزول و أم القرن شرح ايات الاحكام شرح الايات المشكلة في التنزيه وغيرها من مباحث ذكرها استطرادا هنا وهناك .
عقد الراوندي بحثا كبيرا استوعب فيه القول في مباحث الاعجاز ، وفي أول مباحث الاعجاز ذكر وجوه الاعجاز المتصورة وكانت سبعة على حدود اطلاعه هو وبحسب وقته وزمانه ، وصدر الاقوال السبعة بالقول بالصرفة وجعله أول اوجه الاعجاز . فهو وان رجح كون القران معجزا من حيث خروجه عن العادة في الفصاحة ، لكنه مع ذلك اختار كون القران معجزا من تلك الوجوه السبعة على وجه دون وجه وحسنه ومما يوحي بل ينص الى مزيد اهتمامه بمذهب الصرفة هو أنه رد جميع الاشكالات المتصورة والمثارة على نظرية الصرفة .
( السابع ) الفقيه المتكلم ، علاء الدين أبوالحسن ، علي بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي ، لم يذكر لنا شيء عن ولادته أوفاته وحتى عن عصره ، وان رجح مقدم الكتاب أنه من فقهاء القرن السادس . لم يذكر لابي المجد الحلبي أي كتاب سوى ما وصل بين أيدينا وهو كتابه ( أشارة السبق الى معرفة الحق ) والكتاب على قسمين : الاول منها في النظريات أو ما يسمى بعلم الكلام والثاني في العمليات وهوفيما له علقة باعمال المكلفين . ينص الحلبي على اختياره في مبحث الكلام في ركن النبوة على أن الصرفة كانت هي المعجز قال ( ص 42 ) : أنه لاوجه لاعجاز القران الا الصرفة وهي خارجة عن مقدور كل قادر بقدرة ...
والملاحظ في كتاب اشارة السبق يجد نوعا من الاشارات في أنه القول بالصرفة كان مشهورا الى حد يستغنى معه عن اقامة الدليل كما هو واضح من خلال الاقتضاب الذي طرح به الحلبي اختياره لهذه النظرية ، مما يعني أن انها صارت في مرحلة اخرى فرضت نفسها لكثرة الملتزمين بها من الاعلام وتحولت الى بدهية .
( الثامن ) المتكلم الفقيه ، سديد الدين ، محمود بن علي بن الحسن ، الحمصي الرازي ، من اعلام القرنين السادس والسابع ، من مشايخ منتجب الدين القمي ، وهو أول من ذكره في كتابه الفهرست . كانت له اليد الطولى في علم الكلام كما يبدو واضحا من كتابه المسمى بـ ( المنقذ من التقليد والمرشد الى التوحيد ) أو ما يسمى بـ ( التعليق العراقي ) يعرض سديد الدين هنا ضمن هذا الكتاب رأيه في خصوص الاعجاز القراني ونراه يقف مدافعا عن موقفه تجاه هذه النظرية . ولاأرى أن لنا حاجة الى نقل ما يدلل على التزام الحمصي بهذا الاتجاه بعد وضوحه لكل من راجعه .
وهذا وتجدرالاشارة هنا الى أن الحمصي حينما ألف هذا الكتاب ألفه بطلب من علماء الحلة والتماسهم له حنيما حل بالحلة السيفية انذاك كما نص على ذلك في مقدمة كتابه وعليه يظهر أن طرح هكذا وجه للاعجاز قد يشكل نوعا من الغرابة في تلك الاوساط ولما لم يبن شيء من ذلك بان أن هناك قاعدة لابأس فيها تمثل أوتستوعب هذا الاتجاه .
( التاسع ) رشيد الدين ، أبوسعيد ، عبد الجليل بن أبي الفتح مسعود بن عيسى ، الرازي ، أستاذ علماء العراق في الاصولين ، صاحب كتاب ( النقض ) وهومن شيوخ منتجب الدين الرازي ، وكذا من شيوخ سديد الدين الحمصي المتقدم ، والعجب أن المقدم للكتاب ( أي التعليق العراقي ) لم يذكره في عداد الشيوخ للحمصي ، مع أنه ينص على ذلك حيث قال في ( ج 1 / 468 من كتابه التعليق العراقي ) : وقد كان شيخنا رشيد الدين .
ما يهمنا هنا هو ذلك النص الذي ينقله لنا الحمصي عن شيخه وهو في معرض التأييد أو الرد على أصحاب الفصاحة ولابأس هنا بأن ننقل النص قال الحمصي ( ج1 / 468 ) : وقد كان شيخنا رشيد الدين رحمه الله يرد على اصحاب الفصاحة بأن يقول لايمكنكم بيان خرق العادة في ظهور القران على النبي عليه السلام . وذلك لان عندهم أن الله يعطي العرب من الفصاحة المقدار الذي كانوا يظهرونها ، واجرى عادته فيهم بذلك ، وبعد نزول القران بقوا على ماكانوا عليه من الفصاحة لم ينتقض من فصاحتهم شيء ، فأي عادة انحرقت . وانما يمكن بيان خرق العادة على مذهب أصحاب الصرفة ، بأن يقال : ان الله اعطى العرب من الفصاحة قبل وقوع التحدي بالقران مايقارب فصاحة القران واجرى عادته فيهم بذلك ، ثم بعد نزول القران ووقوع التحدي به سلبهم تلك الفصاحة بأن لم يخلق لهم العلوم التي بها كانوا متمكنين من تلك الفصاحة ، فيكون ذلك خرق العادة التي أجراها منهم ونقضها .
ثم أن هنا عدة تساؤلات يمكن طرحها على هذا النص المتقدم :
( 1 ) هل أن رشيد الدين في مقام التزام الصرفة كوجه للاعجاز؟ أوهو ـ كمتكلم ـ في مقام الاخذ والرد على عادة المتكلمين ؟
( 2 ) ثم ان الحمصي لم يطلعنا على مورد استقائه لذلك النص هل كان بالنقل الشفاهي المحض باعتبار أنه كان يحضر جلساة استاذه وعادة ما تدور المناقشات وغيرها بين الاستاذ وتلامذته أو أي طرف مفروض ؟ أو نقله كان عن كتاب في خصوص هذه المسألة اوأي مباحث اخرى استطرادية صادف فيها الكلام عن هذا المسألة ؟ على أنه يذكر منتجب الدين لرشيد الدين ضمن تصانيفه كتابا حول المعجز سماه ( مسألة في المعجز ) لعله عنه اخذ الحمصي النص المتقدم .
( العاشر ) نجم الدين ، أبوالقاسم ، جعفر بن الحسن بن سعيد ، المحقق الحلي ، من أعلام القرن السابع ، وهو صاحب كتاب شرائع الاسلام ، المتوفى سنة ( 676 هـ ) والمحقق الحلي نراه يصوب القول بالصرفة في كتابه المسلك في أصول الدين (182 ) بعد ان عرض لبعض وجوه الاعجاز واشار الى الصرفة قال : ولعل هذا الوجه أشبه بالصواب .
( الحادي عشر) جعفر بن خضر ، الجناجي النجفي كاشف الغطاء ، من أعلام القرن الثالث عشر ، والمتوفى سنة ( 1228 هـ ) حيث ذكرفي كتابه المعروف ( كشف الغطاء ) أن القول بالصرفة بالنسبة الى بعض السور القصار غير بعيد ، واليك نص عبارته ( ج 2 / 298 ) : ولايبعد القول بالصرفة بالنسبة الى بعض السور القصار ، وبالامرين معا في حق الكبار ، أو المجتمع عن الصغار ، وربما يوجه بذلك التعجيز بسورة مرة وبعشر اخرى ، وان كانت له وجوه اخرى .
ولكن كما ترى أن هذا القول أخص من الاقوال التي تقدمته باعتبار أن تلك الاقوال ناظرة الى عموم القران بخلافه في قول كاشف الغطاء حيث خصه في السور القصارفي أحد الترددين المذكورين ، وفي الطرف الاخر احتمل أن يكون كل من الصرفة والفصاحة والبلاغة مجموعها هو سبب الاعجاز .
سه شنبه ۲۸ خرداد ۱۳۸۷ ساعت ۱۸:۱۴