القضاعي وكتابه الشهاب

 

حظيت بعض الكتب بعناية خاصة واهتمام بالغ ، بغض النظرعن الرؤية التي يحملها مؤلف ذلك الكتاب وانتسابه الى مدرسة معينة ، وكان ذلك الاهتمام وتلك العناية غيرمقصورين على ابناء مدرسة المؤلف خاصة ، وانما استمال هوى جملة من الاعلام من المدرسة الاخرى ، مع الفروق الكبيرة في اختلاف الرؤية والمنهج والفكر، هدا على قلة وندرة وجود امثال هده الكتب ، الاانها تشكل برزخا مشتركا بين المدرستين ، ونقطة التفاء بين الفكرين ، تسهم الى حد ما بدفع عجلة المشتركين من خلال وحدة الخزين للتراث النبوي الدي تستقي منه كلا الطائفتين ، وكان من بين تلك الكتب كتاب شهاب الاخبار للقضاعي ، والذي ذاع صيته واشتهر امره بين الخاصة والعامة . وكان الاهتمام بامر كتاب الشهاب من خلال الاستفادة منه اوالنقل عنه ، اوشرحه من قبل الخاصة ، مما استدعى من البعض ان يذهب الى تشيع مؤلفه من خلال بعض المضامين او الترتيب للكتاب نفسه ، او ما شاكل دلك . ولدا حاولنا تسليط الضوء على مفردتين في هدا البحث ، الاولى : مدى اهتمام الشيعة بهذا الاثراعني ـ شهاب الاخبار ـ رواية وشرحا ، الثانية : صحة تشيع القضاعي ، من خلال لمحة سريعة نقف بها مع الكتاب مستوضحين معا كلا المفردتين .

   نبدا في اوائل هده العجالة بالمفردة الثانية . لاشك ان واحدة من المشكلات الكبيرة التي كانت دائما ما تعتورالمباحث بشكل عام ، والتراث الرجالي او العلمائي بشكل خاص ، هي مسالة مدى صحة نسبة فلان من الاعلام الى طائفة بعينها ، وانه هل ينتسب الى الى تلك الطائفة اوهذه . وكان لهده المشكلة الاثر الواضح على مدى التاريخ ، وخاصة بالنسبة لنا نحن المتاخرين ، بحكم فقدان الكثير من الاثار والشواهد اوالقرائن التي يمكن لنا التعرف بواسطتها على ذلك الشخص وادراجه في هده المدرسة او تلك . وفي الحقيقة نحن اليوم نشهد نوعا من المعاناة من وراء دلك الغبش والضبابية التي تصاحب هدا التراث ، وخاصة في المجال الذي نفتقد فيه المعلومات الكافية للتعرف اللازم عليه ، اما فيما ادا كان احد الاثار لدلك الشخص متوافرة بين ايدينا ، او امكن الوقوف على بعض المعلومات التاريخية التي تمدنا بخصوصه بشيء ما، فيكون الاعتماد حينها عليه . ولكن لايعني دلك ابدا جود عناصر الابتلاء هده في عامة تراثنا الرجالي ، وانما تقف المشكلة ضمن حدود معينة ، حاول المختصون بهدا اللون من التراث ايجاد الحلول المتوفرة بين ايديهم بطريقة واخرى لتلافي المشكلة . بغض النظرعن نوعية وواقعية دلك الحل المقدم ، حيث ان الكثير منها يعاني من الاشكال في نفسه .

 

 لمحة سريعة عن القضاعي

 

    القضاعي هو : الفقيه العلامة القاضي ، ابوعبد الله ، محمد بن سلامة بن جعفربن علي ، المصري ، المغربي ، الشافعي ، القضاعي . كان من معاصري الشيخ الطوسي ، سمع على عدة من مشايخه المغاربة ، واخد عليهم في الحديث ، وحدث عنه جملة من الاعلام الكبار: كاخطيب البغدادي ، وابونصرابن ماكولا ، وكان من الفقهاء والمحدثين والمصنفين ، وقالوا في حقه الجم الطيب ، قال ابن ماكولا : كان متفننا في عدة علوم ، لم بمصر من يجري مجراه . تولى القضاء بمصر في ايام الدولة الفاطمية ، في ظل دولة الظاهر، الملقب بالظاهرلاعزاز دين الله ، عند ما استوزر الظاهرنجيب الدولة ابا القاسم علي بن احمد الجرجرائي في بعض الدواوين ، وكان الجرجرائي اقطع اليدين من المرفقين ، قطعهما الحاكم والد الظاهر بسبب خيانة منه ، فلما وزر للظاهر كان يكتب عنه القاضي ابوعبد االله القضاعي . وله تصانيف عديدة تزيد على العشرة ، وتوفي سنة اربع وخمسين واربعمائة .

مذهبـــــــــه

 

لايكاد يراود الباحث الشك لوانه سرح النظر في بعض الكتب المؤلفة في طبقات الشافعية في انه شافعي المذهب والاعتقاد ، كما يتبين دلك واضحا مما بين ايدينا من تلك الكتب التي تعنى بدلك ، واليك بعضها : طبقات الشافعية الكبرى 4  : 150 ـ 151 ، وطبقات الشافعية للاسنوي 2 : 312 ـ 313 ، وطبقات ابن شهبة 1 : 245 ـ 246  ، وغيرها من المصادر الكثيرة والتي تنص وبوضوح على دلك . هذا اضافة الى كلام علماء الامامية على كونه عاميا ايضا ، كما اشار الى ابن شهراشوب في معالم العلماء ، والمجلسي في البحار ، والافندي في الرياض ، والروضاتي في روضات الجنات ، وغيرهم  .        

 

 

 

مع المحدث النوري وادلته

 

اقام المحدث النوري عدة ادلة ـ استئناسية ،على حد تعبيره ـ على تشيع القضاعي ، واليك بيانها فيما يلي :

 

1 ـ توغل الاصحاب على كتابه والاعتناء به والاعتماد عليه ، وهدا غير معهود منهم بالنسبة الى كتبهم الدينية ، كما لايخفى على المطلع بسيرتهم .

نقول : انه لورجعنا الى مقدمة  القضاعي في كتابه مسند الشهاب ، وتعرفنا الى نوع وطبيعة الاحاديث المخرجة فيه ، لراينها احاديث قصار في الحكمة والامثال والوصايا والمواعظ لاغير ، وهده الاحاديث وفي هده المساحة لامانع من الاشتراك فيها بين المدرستين ، اذ هي محصورة ضمن هدا النطاق والذي بطبيعته لايابى الاشتراك فيه . وعليه حينها من الطبيعي ـ بعدما ذكرنا ـ من الاهتمام بامرهدا الكتاب باي نوع من الاهتمام كان .

 

2 ـ انه قال في خطبة الكتاب بعد ذكرالنبي صلى الله عليه واله : اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . ولم يعطف عليهم الازواج والصحابة ، وهدا بعيد عن طريقة مؤلفي العامة غايته .    

نقول : بالطبع ان هناك جملة من علماء المسلمين من مدرسة الخلفاء ممن يعتقد بنزول الاية ـ اعني اية التطهيرـ اصحاب الكساء ، وان اختلفت اوتختلف في مصب الاية في الخصوص ، وانه اي اذهاب وتطهير المراد فيهما . هدا ولابد ان لانغفل امرا له اهميته في المناقشة ، وهو ان القضاعي كان يعمل في البلاط الفاطمي ـ كما تقدمت الاشارة اليه ـ وامرها في التشيع معروف ، وغير بعيد هدا العامل عن الاجواء العامة . هدا وقد اشارـ تلميد المحدث النوري ـ الشيخ عباس القمي في الكنى والالقاب الى ماذكرناه اخيرا كدليل على تشيع القضاعي ؟

 

3 ـ ان جل ما فيه من الاخبار موجود في اصول الاصحاب ومجاميعهم ، كما اشاراليه المجلسي ايضا ، وليس في باقيه ما ينكر ويستغرب ، وما وجدنا له في الكتب العامة نظيرا ومشابها .

نقول : بعد ان علمنا موضوع الكتاب ، وعلى اي شيء يدور ، من اوله حتى اخره ، واشتماله على الاحاديث القصيرة والحكم السائرة ، والتي في غالبها تنتهي الى التنظيم الاخلاقي ، ومن المؤكد ان موارد الاشتراك بين المدرستين ليس بالعزيز وخاصة الجانب التربوي ، وهدا نفسه هو الذي دعى الى كل دلك الاهتمام .

 

4 ـ انه ليس في تمام هدا الكتاب من الاخبار الموضوعة في مدح الخلفاء ، سيما الشيخين ، والصحابة خبر واحد مع كثرتها ، وحرصهم على نشرها ودرجها في كتبهم بادنى مناسبة ، مع انه روى فيه قوله صلى الله عليه واله : مثل اهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق .

 نقول : في الجواب عن هدا الامر يتبين من خلال امرين :

 الاول : الجواب النقضي ، ودلك لاشتمال كتاب الشهاب على بعض تلك الاخبار الموضوعة في مدح الاصحاب ، ندكر بعضا مما وقفنا عليه على هده العجالة :

1 ـ قوله ص : انا في حيز ، واصحابي في حيز .

2 ـ قوله ص : ان اصحابي في امتي كالملح .

3 ـ قوله ص : مثل اصحابي كالنجوم .

4 ـ قوله ص : احفظوني في اصحابي فانهم خيار امتي .

5 ـ قوله ص : اللهم واقية كواقية الوليد .

 الثاني : اما الجواب الحلي ، ودلك بلحاظ طبيعة الحكم والامثال والوصايا والتي هي موضوع الكتاب ، والتي عادة ما تكون متعلقة ببحث الاخلاق ، فلاتتداخل في النهاية مع موضوع اخر وهو المناقب والفضائل ، وان تداخلت فلاتكون مقصودة ، فلاجل لم يورد منها شيئا في كتابه ، وان ورد فانما بالتبع لامر اخر . اما شتماله على خبر السفينة المذكور ، فهو وان رواه عن طرق عدة ، وكذا روايته حديث : احفظوني في عترتي ... ، فليس في رواية هدين الحديثين دلالة على اي شيء من التشيع لامن قريب او بعيد .

 

التعريف بكتاب الشهاب

 

يضم كتاب الشهاب بين دفتيه مجموعة من الاحاديث يبلغ عددها الف ومائة كلمة من احاديث رسول الله صلى الله عليه واله ، وتدور حول بعض من المختارات من المواعظ ، والامثال القصيرة ، ونتف من الاداب ، ومنتخبات من الوصايا ، هدا هو موضوع كتاب شهاب الاخبار عموما . وقد اولى العامة والخاصة هدا الكتاب عناية كبيرة واهتمام خاص على مدى التاريخ ، بالطرق المعروفة انذاك في الحفاظ على الكتب ، شرحا وراية ، قراءة واجازة وسماعا . وقد شهد القرن الخامس والسادس عدة شراح لهده الكتاب ، يعدون من اعلام الادب ، اختص بتسجيلهم لنا منتجب الدين في فهرسته ـ والذي الفه كمستدرك على الطوسي ـ ، لمعاصرته لهم . وكان عددهم خمسة ، واليك دكرهم :

 1 ـ  ضياء الدين ، فضل الله بن علي الراوندي ، المتوفى سنة 519 هـ ، وسمى شرحه : ضوء الشهاب في شرح الشهاب .

 2 ـ الشيخ الامام افضل الدين ، الحسن بن علي بن احمد المهابادي ، وله : شرح الشهاب .

 3 ـ الشيخ الامام برهان الدين ، ابوالحارث ، محمد بن ابي الخير، علي بن ابي سليمان ظفرالحمداني ، وله : شرح الشهاب .

 4 ـ الشيخ الامام قطب الدين ، ابوالحسين ، سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي ، المتوفى سنة 573 هـ ، وله : ضياء الشهاب في شرح الشهاب .

 5 ـ الشيخ الامام جمال الدين ، ابوالفتوح ، الحسين بن علي بن محمد الخزاعي الرازي ، المتوفى سنة 550 هـ ، وله : روح الاحباب وروح الالباب في شرح الشهاب .

وقد حفظت لنا المكتبات الاسلامية شرحين من هده الشروح المتقدمة ، وهما الضياء والضوء ، للروانديين .

اما عن طرق الرواية للشهاب ، فهناك عدة طرق للامامية مذكورة في الكتب المختصة بالاجازات ، ذكرها المجلسي في كتاب الاجازات من البحار في المجلد : 107 . وكان الراوي المباشرعن القضاعي من الامامية هو السيد فخرالدين شميلة بن محمد بن ابي هاشم الحسني امير مكة ، كما نص على دلك منتجب الدين في الفهرست ، تحت الرقم 192 . وهناك طرق اخرى ذكرها العلامة الحلي في اجازته الكبيرة لبني زهرة ، والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في اجازته الكبيرة له عدة طرق اخرى اليه ، لايسعنا في هده العجالة دكرها ، ونحيل القارئ الى البحار هناك فليراجعه .    

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

     

 

 

 

 

 

 

 

 

دوشنبه ۱۲ شهريور ۱۳۸۶ ساعت ۱۳:۴۴